واشنطن بين تحريض إسرائيل على التصعيد وأزمات حلفائها
| تحسين الحلبي
لا أحد يمكن أن يستهين بدور الصهيونيين اليهود في مختلف المؤسسات الأميركية الرسمية وغير الرسمية، مثلما لا أحد يشك بقدرة الكاتب الأميركي فيليب غيرالدي الذي تنشر تحليلاته مجلات كثيرة إلكترونية وغير إلكترونية.
في 19 أيلول الماضي نشر غيرالدي تحليلاً في موقع أونز «UNZ» تحت عنوان: «يهود أميركا يحركون حروب أميركا» وبعد نشر تحليله بيومين قررت مجلة «ذي أميركان كونسيرفيتف» إقالته بعد 14 عاماً من مساهمته في النشر فيها لأن مقاله هذا مرفوض.
جاء في مقال غيرالدي أنه حضر مؤتمراً حول الحرب الأميركية في الشرق الأوسط، فجاء أحد السياسيين الأميركيين سابقاً وسأله: «لماذا لا يتحدث أحد هنا بصدق عن دور إسرائيل في هذه الحروب الأميركية ونحن نرى هنا أن اليهود الأميركيين يدعمون (يحرضون) أميركا بأموالهم ونفوذهم على كل حرب تجري في الشرق الأوسط لمصلحة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو؟ ألا يجب أن نخرجهم من هذه اللعبة ونمنعهم من القيام بها»؟
يبدو أن كل من يتابع أخبار المنطقة بعد انتصار سورية وحلفائها على الحرب الإرهابية الكونية عليها يجد فعلاً أن هذه المنطقة تحولت إلى بحيرة نفوذ وسيطرة أميركية تمتد بهذه النسبة أو تلك من السعودية إلى آخر دولة عربية متحالفة مع واشنطن أو خاضعة لقراراتها، فلا يوجد الآن بشكل واضح وثابت سوى سورية وإيران والمقاومة اللبنانية كقوى خارج كل أشكال الهيمنة أو النفوذ الأميركي، ويقف مع هذه القوى العراق والجزائر واليمن وتونس بمختلف قواها الرسمية والحزبية، ومصر بحسب قدراتها وظروفها النسبية، ولذلك ترى الأوساط الصهيونية اليهودية الأميركية وتجار الحرب الأميركيين ورجال أعمال الصناعات العسكرية أنه من المطلوب من إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب وضع جدول عمل تحتل في الحرب على هذا المحور في المنطقة الأولوية القصوى.
يلاحظ المراقبون لما يجري في شمال شرق سورية أثناء وبعد الانتصار في دير الزور، أن واشنطن تحاول فرض تحديات جديدة على الجيش العربي السوري وحلفائه في منطقة دير الزور والرقة، وتترافق مع هذا الدور الأميركي، تهديدات إسرائيلية تطالب بشن حرب أميركية على إيران وبشن حرب إسرائيلية على سورية، للتخلص من قوة تحالف محور المقاومة.
ويكشف غيرالدي أن عدداً من الكتاب اليهود الأميركيين والإسرائيليين، من الأسماء الشهيرة، بدأ يكثف مقالاته وأبحاثه لتحريض معسكر الحرب في الإدارة الأميركية على عدم الانتظار والشروع في هذه الحرب.
في وقت سابق اعترف عدد من العسكريين الإسرائيليين بأن إسرائيل لا تستطيع أن تتحمل حرباً شاملة على إيران وحدها أو على سورية وحلفائها معاً، واعتادت التحليلات الإسرائيلية اتهام الإدارة الأميركية «بالتراجع عن دورها ونفوذها في المنطقة»، وأطلق مركز أبحاث «بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية» الإسرائيلي على سياسة ترامب صفة «إستراتيجية الصبر غير المجدي تجاه الشرق الأوسط»، فإسرائيل تدرك أن كل يوم يمر في ظل انتصار سورية وحلفائها يحمل معه تزايداً في أسلحة هذا المحور وفي قدراته على تشكيل خطر على المصالح الإسرائيلية التوسعية في المنطقة.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن تراجع الدول العربية المتحالفة مع واشنطن عن تصعيد الحرب على سورية بدأ يولد نوعاً من التسليم بوجود هذا المحور وقوته، وهذا ما يحرم إسرائيل من دفع الدول الحليفة لواشنطن إلى التقارب معها في أي حرب مقبلة على هذا المحور.
ولأن إسرائيل تدرك مدى قدرة الإدارة الأميركية على ممارسة الضغط والابتزاز على حلفائها في المنطقة فهي تريد من واشنطن تصعيد تهديداتها لإيران وليس اللجوء إلى «إستراتيجية الصبر»!