الترجمة مشروع وطنـي تتعاون فيه جهات أهمها الجامعات … تساعد الترجمة في نقل الأفكار بين الثقافات وتسهم في تطوير الثقافة الهدف
| سوسن صيداوي
وجود المشكلات ليس معيباً… إنما العيب أن تتفاقم ولا نجد لها حلولاً. وبما أننا مازلنا في اليوم الثاني لفعاليات الندوة الوطنية للترجمة «الترجمة في سورية مشكلات وحلول»، لابد من التأكيد أن الترجمة مثلها مثل ضرورات الحياة الأخرى، التي تواجه المشكلات بشكل دائم، ويقوم أصحابها باستمرار بحل مشكلاتهم، والأمر الطبيعي أننا كلما وجدنا حلاً لمشكلة ستبرز لدينا مشكلة جديدة، كما ستتفاقم المشكلات- وخصوصاً في الترجمة موضوعنا- إذا لم نعمل على حلها بجدية، لكون ما يصادفها مشكلات مركبة ومترابطة، ويمكننا القول إنها مهنة غير منظمة، وحتى المترجمون-إلى عهد قريب- لم يعتمدوا عليها كمصدر أساس لعيشهم، أضف إلى عدم وجود مترجمين مؤهلين في العديد من لغات العالم، وأيضاً مهنة الترجمة تنظمها الحاجة، لا جهة مسؤولة عنها تنسق عملها وتديره. هذه نقاط وإليكم نقاط أخرى سلّط عليها الضوء ضيوف اليوم الثاني من الندوة التي رعتها وزارة الثقافة وأقامتها الهيئة العامة السورية للكتاب في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.
مشكلات الترجمة في سورية
بين حسام الدين خضور مدير الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب، أن الترجمة مهنة دائمة لم تنقطع يوماً لأنها جزء من حياة المجتمعات اليومية، ومن ثم فهي تنقسم إلى ترجمة مباشرة وترجمة غير مباشرة. مشيراً إلى أن الترجمة المباشرة هي الترجمة الأدبية والعلمية والمحلّفة والفورية، أما الترجمة غير المباشرة فهي الأكبر حجما، وتتخلل نسيج حياتنا اليومية، وفي سبيل مواجهة المشكلات التي تعوق عمل الترجمة اقترح خضور وضع خطة تتشارك فيها الجهات المعنية للعمل على «المشروع الوطني للترجمة»، قائلا: «هذا المشروع الوطني يتطلب مجموعة من الإجراءات، يرتبط تنفيذها بعمل جهات مختلفة، في مقدمتها الجامعات السورية، لأنها مصدر الموارد البشرية التي تحتاج الترجمة إليها. إن المترجمين صناعة جامعية بالدرجة الأولى، مثل بقية الموارد البشرية التي تعده الجامعة لشغل أعمال الدولة والمؤسسات والشركات. وعليه، إن تنفيذ أي مشروع ترجمة يتطلب تنسيقا شاملاً مع الجامعات السورية. وهذا يعني فتح فروع جديدة للغات العالم ذات المكانة في العالم المعاصر- اليابانية والصينية والكورية والبرتغالية والإيطالية والفارسية والتركية وربما غيرها من لغات». مستعرضا في ختام حديثه مجموعة من التوصيات التي اقترحها منها: الفصل بين الترجمة والتأليف، الإسراع في وضع خطة تنفيذية للمشروع الوطني للترجمة، العمل على حل مشكلة مادة الترجمة من معارض الكتاب العربية في بعض الدول، إقامة ورشة عمل تجريبية للترجمة يشرف عليها المعهد العالي للترجمة بالتعاون مع مديرية الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب، تعزيز العلاقة بين مديرية الترجمة ومجمع اللغة العربية في دمشق لحل المشكلات اللغوية التي تنشأ.
أخطاء في الترجمة
من جانبها طرحت د. ريم الأطرش مسألة أساسية وهي السبب الأساسي للأخطاء التي يرتكبها المترجم الذي يحمل اللغة العربية كلغة أم، حين يتصدى إليها بترجمة نص فرنسي، مؤكدة أن اللغة الأم هي اللغة المسيطرة بشكل عام على المترجم، عدا المترجم الذي يتمتع بلغتين، ويعتبر كل واحدة منهما بأنها لغة أم له، قائلة «اللغة الأم هي (الفيلتر) الذي تتم من خلاله عملية تعلم أي لغة أجنبية جديدة عند الراشدين. نحن نعلم بأن عملية الترجمة تمر بالمراحل التالية: أولا فهم معنى النص المترجم، ثم إعادة صياغة المعنى المراد في النص الأصلي باللغة المترجم إليها، مع الحفاظ على مستوى الأسلوب في النص الأصلي، وعلى الأخص في النصوص الأدبية» وتابعت «من المهم صياغة المعنى في النص الهدف بلغة جيدة، من أجل أن يكون فهم المعنى واضحاً لدى القارئ. ومن المهم جداً أن يكون ثمة أمانة في الترجمة، ومن أجل ذلك، على المترجم أن يكون أميناً أولاً، وقبل كل شيء، لما أراد كاتب النص الأصلي قوله، ومن ثم أن يكون أميناً في إعادة صياغته باللغة الهدف»، وحول كيفية التعامل مع الأخطاء أشارت إلى أن «التعامل مع أخطاء الترجمة اللغوية والثقافية موضوع غني ومهم في مجال الدراسات اللغوية المتخصصة في الترجمة، إذ إن لها تأثيراً في مختلف المجالات في الحياة الثقافية والاجتماعية والمهنية. وتتطلب الترجمة معرفة لغوية جيدة للغتين لغة المصدر ولغة الهدف».
الترجمة في الأزمات السياسية
أشارت مديرة وحدة الترجمة في مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) الأستاذة ناهد تاج هاشم في مقدمة مداخلتها إلى أهمية دور الترجمة الذي تلعبه في نقل المعرفة بين اللغات المختلفة، مؤكدة أن هذا الدور يصبح حساساً وربما خطيراً حين يرتبط الأمر بنصوص تخاطب الرأي العام بشكل يومي من خلال الإعلام، وخصوصاً النصوص السياسية نظراً إلى طبيعة انتقالها عبر الوسائط أسرع مما هو في حالة النصوص الأخرى هذا من جهة، ومن جهة أخرى للأثر الذي تملكه على الجمهور بشكل سريع، وعن الترجمة والمصطلحات وإغناء اللغة تحدثت: «تساعد الترجمة في نقل الأفكار بين الثقافات، ولكن الأهم من ذلك أنها تساهم في تطوير الثقافة الهدف. فمثلاً وجود مصطلحات أجنبية من دون وجود مرادف لغوي واضح لها في اللغة المنقول إليها سيجعل المترجم يسعى لنحت مصطلحات جديدة تفيد في إغناء اللغة المنقول إليها وتطويرها، وهي عملية ليست بالأمر السهل ودونها متاعب، وقد نجد مترجمين كباراً يعيدون في طبعات مختلفة من أعمالهم تقديم ترجمات أفضل لمصطلحات كانوا ترجموها سابقاً وتبين أنها لم تف المصطلح الدخيل حقه ولم تعطه دلالته التي حملها في لغته الأصلية. وهذا بحد ذاته يساعد في عملية استمرار تطوير الترجمة من خلال الاستفادة من إعادة النظر في أثرها وكيفية استقبالها لدى المتلقي، وبهذا تصبح عملية النقل عملية أفقية وشاقولية، لا تقتصر على نحت مرادف نحوي ودلالي للتراكيب وإنما مرادف ثقافي أيضاً». وحول الترجمة في الأزمات السياسية وعن دور المترجمين خلالها، ضربت في حديثها مثالا عن هذه النقطة، ما يقدم من ترجمات خلال الأزمة السورية، قائلة «تصبح الترجمة مهمة وطنية وضرورية لفهم الذات والآخر، بمعزل عما يصدر باللغات الأخرى عن سورية، سواء أكنا نتفق معه لجهة الرواية التي تقدم فيه أم لجهة اللغة والخطاب المستخدمين، إذ إننا بترجمتنا لما يكتبه الآخرون عنا نستطيع فهم مدى فهمهم لما نعانيه وكيفية تصويرهم وتمثيله لها، وكذلك الأمر أن حركة ترجمة معاكسة وهذا طموح كبير سيحتاج خطة وطنية وإستراتيجية طويلة الأمد لتحقيقه، للغات أخرى ستساعد في التعريف بما يجري هنا من منظور مختلف».
المترجم بين الحق والواجب
من جهته بين عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الترجمة) عدنان جاموس أهمية الترجمة ودورها الفاعل في التعارف بين ثقافة شعوب العالم، مشدداً على حق المترجم في الحصول على مكافأته أو حقه الذي يجب أن يتقاضاه مقابل عمله، بشرط أن يكون عمله تم إنجازه بكفاءة عالية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أكد على واجب المترجم الذي ينبغي أن يفي به حتى ينال حقوقه كاملة، حيث قال «ونعني بذلك أن تكون الترجمة أمينة وخالية من الشوائب، حيث يأتي النص المترجم مكافئا للنص الأصلي معنى ومبنى. ومن المسلّم به أن الأمانة في الترجمة لا تعني ألبتة الترجمة الحرفية التي يلجأ إليها المترجم غير المتمكن عادة عندما لا يفهم المقصود من عبارة أو فقرة ما في النص الأصلي، ويجد نفسه أمام الآخرين:إما أن يُغفل العبارة أو الفقرة بكاملها، أو أن يترجمها ترجمة حرفية؛ فيختار الحل الثاني كي يتفادى اتهامه بالإنقاص من الأصل، ويعمد إلى ترجمة كل كلمة في لغة المصدر بالكلمة المعجمية المقابلة لها في لغة الهدف؛ و يجد القارئ نفسه أمام لغز مستغلق يتعذر عليه فك طلاسمه. وعندما نسأل المترجم المعني:لِم تكتب ما لا يُفهم؟ يجيبك بالعبارة التراثية: لم لا تفهم ما يُكتب؟». ويتابع في العيوب التي تعترض الترجمة «ولكن العيوب في الترجمة لا تقتصر على لجوء البعض أحياناً إلى الترجمة الحرفية، بل تتعدى ذلك إلى ارتكاب أخطاء تشوّه المعنى المقصود وتحرّفه، بغض النظر عن طلاوة الأسلوب في النص المترجم، إذ يمكن أن يتسم أسلوب المترجم بالسلاسة والرشاقة أو بالجزالة والرصانة من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الترجمة صحيحة ومطابقة للأصل. وأني لأزعم أنه يندر جداً العثور على ترجمة خالية تماما من الأخطاء ومكافئة للأصل في المضمون والشكل، وذلك على الأقل في مجال الترجمة عن اللغة الروسية. إذ إنني كنت بحكم عملي في فترة سابقة ملزما بمراجعة العديد من الترجمات المنقولة عن نصوص روسية وبتصحيحي الأخطاء فيها قبل إجازة نشرها. وكأن المبدأ الذي ألزمت نفسي به أثناء ذلك يقضي بعدم المساس بأسلوب التعبير لأنه لكل كاتب أسلوبه الخاص، والأسلوب هو الشخص أو الإنسان نفسه».