الفن واجب ورسالة وليس طريقة للوصول لغاية ما … طاهر مامللي لـ«الوطن»: يجب أن يكون لدينا مؤسسة تابعة للدولة همها الأول هو الثقافة الوطنية أكثر من الربح
| سارة سلامة- «ت: طارق السعدوني»
بأسلوب راق وذوق مميز تأخذنا موسيقاه إلى حالة العشق والوله حالة التوحد مع روح العمل، ويرسخ لنا الموسيقي طاهر مامللي في أعماله «الثريا، خان الحرير، الفصول الأربعة، أهل الغرام، ضيعة ضايعة..» وغيرها الكثير من أهمية الشارة حيث أعطاها اهتماماً خاصاً، مزاوجاً بين الكلاسيكية واللحن الشرقي مع ما أخذه من الموسيقا الغربية، كما نلمس في انفعالاته وهواجسه التي يتركها لحناً هويته السورية المتجذرة خاصة أنه ابن مدينة حلب أرض الفنون والقدود.
رسم مامللي نهجاً في هذا المجال وحقق انتشاراً عربياً واسعاً معطياً الشارة حقها في المحافظة على وظيفتها الأساسية وهي التمهيد للعمل وحمل أشكاله وخطوطه لتكون هي مفتاح العمل كله.
في رصيده العديد من الجوائز منها: جائزة «أدونيا» عن مجمل أعماله وعن مسلسل «زهرة النرجس» وجائزة أفضل موسيقا تصويرية في مهرجان القاهرة الدولي لمسلسل «الدوامة»، وعن مصير الشارة وظاهرة تحولها في الفترة الأخيرة إلى أغان للنجوم، وواقع الدراما السورية، وعن تحضيراته الجديدة والكثير من المواضيع يكشفها مامللي لنا في هذا الحوار..
كنت من المنادين بتوثيق الموسيقا السورية خوفاً من اندثارها أو انتسابها إلى مجتمعات أخرى، لماذا؟
بالتأكيد لأن المسألة هي مسألة هوية وكما قصفوا وخربوا الأماكن الأثرية والأماكن التي تشكل هوية للسوريين، عملوا أيضاً على المسألة الثقافية وحاولوا مراراً سحب الكوادر وتمت عمليات سحب متعمدة وغير مباشرة للهوية السورية، ومن هذا المنطلق ناديت بدايةً بتثبيت القدود الحلبية وتسجيلها باليونسكو، لأننا غير مسجلين باليونسكو كهوية سمعية وهو الهدف الذي نطمح له كموسيقيين ويعتبر هذا جزءاً من الدفاع عن وجودنا كسوريين بفننا وثقافتنا وعراقتنا، وفي الحقيقة هي محاولة دائمة لمقاومتنا للعولمة والحرب التي نمر بها، ولن نتوقف عن القتال حتى نثبت أن السوريين لديهم ثقافة وعراقة من الصعب أن تمحى.
تطمح دائماً إلى استعادة هوية الأغنية السورية، هل هذا ممكن في ظل ما نشهده اليوم من انحدار؟
الانحدار والتخريب عملية سريعة لا تحتاج للكثير من الوقت على عكس عملية البناء التي تحتاج إلى وقت طويل، ولاشك أن المستوى الجيد الذي وصلنا له نكاد نفقده وبدأ في الانحدار بكل أنواعه وأشكاله، لأن الذائقة العامة تؤثر في النوع وكذلك قوة المال التي تشكل حرباً دائمةً مع الثقافة، والمنتج همه الأول هو الربح ولا يعنى كثيراً بالعنصر الفني المقدم، وبالمقابل هناك من يعمل بالتزام وضمير وهؤلاء لا يمكن أن يغيرهم ظرف رغم المغريات الكثيرة، لذلك فإن عملية إعادة البناء تحتاج إلى وقت ونحت منذ البداية وهي مسؤولية ورسالة، وهنا أشيد بدور الراحل صلحي الوادي وقدرته في التأسيس لثقافة الموسيقا الغربية والكلاسيكية.
وما دوركم ومسؤوليتكم كموسيقيين؟
هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتقنا وبدوري أدعو الجميع إلى الإيمان بالشيء الذي يقدمونه لأن الإيمان سيعطيهم العزيمة والقيمة للاستمرارية، واحترام الفن واجب ورسالة وليس طريقة للوصول لغاية ما إن كانت مادية أو شهرة.
بدايتك كانت مع الموسيقا التصويرية للأعمال المسرحية، أين أنت من المسرح اليوم؟
ربما أنا من أتساءل وأقول أين المسرح اليوم؟، والموسيقا في المسرح أو بالتلفزيون والسينما هي مشروعي وحين تكون الفرصة لائقة سأكون موجوداً.
الثريا، خان الحرير، الفصول الأربعة، أهل الغرام، ضيعة ضايعة.. وغيرها الكثير من الأعمال التي جعلت لك بصمة خاصة، تحدث لنا عن ذلك؟
ربما لأنني صادق مع الشيء الذي أقدمه وأتمنى من جميع الناس الذين يعملون في هذا الحقل الإبداعي أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ليؤسسوا هوية خاصة بهم، وتاريخياً الناس التي حققت حضوراً هي الناس التي حاربت لكي تترك أسلوبية وبصمة وهوية مثل بليغ حمدي والسنباطي وباخ وبتهوفن لكل منهم أسلوبيته الخاصة، ولا أدعي أنني أقارب هذه الأسماء الكبيرة ولكن أنا أحارب كي أحصل على أسلوب خاص يميزني عن الآخرين لأن الفنان اليوم هو هوية وبصمة وأسلوب.
هل تعتبر الدراما السورية هي الباب الوحيد لكم كموسيقيين لإبراز أعمالكم؟
هذا هو الواقع لأن بقية الأبواب مغلقة ولم تكن مفتوحة في يوم من الأيام فليس لدينا شركات للإنتاج، ولا مساحات كبيرة بالمراكز الثقافية وفي دار الأوبرا لنقدم تجاربنا ومن ثم البوابة الوحيدة المتبقية هي الدراما وهي ليست بوابة قليلة لأننا استطعنا من خلالها الانتشار على مساحة الوطن العربي.
كيف تقيم الأعمال الدرامية بين الأمس واليوم؟
أتمنى على الدراما السورية البقاء في المستوى الذي عهدناه وهذا يتطلب منا أن نقيّم أنفسنا وما قدمنا وما سنقدم لاكتشاف أخطائنا والعمل على تجاوزها في الغد ومن الضروري الاهتمام بالماضي والحاضر من أجل المستقبل، ومما لا شك فيه أننا قدمنا أعمالاً مهمة جداً شهدت لها شاشات الوطن العربي.
أما اليوم فالإنتاج خجول جداً وله أعذار دائمة سواء كان من حيث التسويق أم هجرة بعض الفنانين والكوادر الفنية، ويجب الاعتراف اليوم بأننا وصلنا لمكان لم أتخيل أن نصل إليه في الدراما، وبرأيي يجب علينا الخروج من شماعة الأزمة والحفاظ على النوع لأن الدراما السورية كانت تخلي الشوارع في الوطن العربي وليس في سورية فقط.
كما أننا لم نقدم عملاً يحمل المعنى الحقيقي للأزمة التي يعيشها المواطن السوري وظروف الحرب من انقطاع الكهرباء والماء والهاون وغيرها، حيث كان من المفترض التوجه والاعتماد على السوق المحلية في ظل الحصار الاقتصادي المفروض علينا، وهذا الأمر لا يتعلق بالشأن الفني فقط إنما بالشأن التسويقي أيضاً.
للموسيقا التصويرية أهمية كبيرة فهي قد تكون سبب نجاح أي عمل، ما رأيك في ذلك؟
الموسيقا عنصر مثل بقية العناصر الفنية الأخرى الإضاءة والأزياء والمكياج وغيرها.. والموسيقا عنصر يمكن أن يساعد في نجاح العمل أو في فشله، ولكن لا يمكنها أن تنجح بمعزل عن نجاح العمل، وهذا ظلم للموسيقا فهناك الكثير من الأعمال الموسيقية المهمة لم تنجح بسبب إخفاق العمل لأن العمل عندما ينجح تنجح معه كل العناصر.
ويجب أن نعرف أمراً مهماً، أن ذائقة المشاهد ارتفعت وأصبح قادراً على التمييز ولا يمكن أن نتغافل عن وعي وثقافة المتلقي نفسه، إذاً الموسيقا هي عنصر مهم جداً مثل بقية العناصر في العمل الدرامي ولكنها مربوطة بشكل مباشر بنجاح العمل كله.
في أعمالك نلحظ اتكاءك على التراث، لماذا؟
لا أعتقد أنني أعتمد على التراث كثيراً وأنا درست الموسيقا الغربية الكلاسيكية وتأكيدنا البصمة والهوية السورية مقرون بالفعل وأنا ابن هذا المكان ومن الواجب أن يكون إنتاجي الفني يعكس جذوري وكوني ابن حلب من الطبيعي أن أترك هذه البصمة بشكل أو بآخر.
ما رأيك بتحويل شارات المسلسل إلى أغانٍ لأصحابها؟
فرض هذه الظاهرة واقع الربيع العربي، فالنجوم لم يعد بإمكانهم القيام بالحفلات والألبومات فذهبوا باتجاه الدراما ليس بهدف الشارة الموسيقية بل ليضعوا أغانيهم على الأعمال الدرامية، وبرأيي هذا خطأ كبير والمستفيد هو النجم والمنتج والخاسر هو القالب الفني الموسيقي والعمل نفسه، وهناك الكثير من الأغاني الناجحة ليس لها علاقة درامياً بالعمل ذاعت في الشارع العربي لكنها لا تشبه العمل أي إنها تخلت عن الوظيفة الأساسية للشارة الموسيقية وهي التمهيد للمسلسل وحمل أشكاله وخطوطه الدرامية.
ما الخطوات التي يمكن أن تتخذوها لإعادة شارة المسلسل إلى بريقها؟
قصة الفقاعات والموضة لها وقت معين وينتهي مع الزمن وأكثر ما يجب علينا فعله هو العمل، هذه الخطوة الوحيدة التي نستطيع من خلالها إعادة التأكيد للعالم أننا سنبقى نعمل في هذا المشروع الفني لنثبت مع الوقت أن الشارة يجب أن تكون شارة موسيقية وليست أغنية لنجم.
هل أثرت هجرة الخبرات والمواهب في القطاع الموسيقي؟
في كل القطاعات شهدنا هجرة وخسارة للأيدي العاملة وليس في القطاع الفني فقط وهناك الكثير من المغريات كانت أمام الموسيقيين ليخرجوا، ولا شك أن الواقع كان صعباً جداً في ظل الحرب حيث أثرت بشكل أو بآخر في الإنتاجات والأوضاع المادية، وفي الحرب لا رخاء للفن والموسيقا وعندما نقول فن وموسيقا نتحدث عن الرخاء الإنساني، والكثير من الموسيقيين الذين لم يهاجروا من البلد اضطروا للتخلي عن الموسيقا بحثاً عن عمل آخر يعتاشون منه.
هل عملت من خلال «قناديل العشاق» على إنعاش المستوى الموسيقي الدرامي؟
الإنعاش كلمة جيدة ونحن بحاجة إليها خصوصاً أن ظرف العمل كان يسمح بتقديم مجموعة من الأغاني والأصوات، كما ساعدنا في ذلك مخرج العمل سيف الدين سبيعي لتمتعه بذائقة فنية عالية كما أنه مغنٍّ، وأيضاً ظرف العمل كان يتحمل تكثيفاً للمادة السمعية ووجدناها فرصة جيدة للإنعاش لنبقى حاضرين من خلال الموسيقا والغناء في الدراما.
اليوم من يحفظ حقوقكم ويدافع عنكم كموسيقيين؟
قد تحمينا مؤسسات الدولة ولكن بشكل خجول، والثقافة بحاجة إلى دعم مادي ونحن نقاتل كأفراد، فعلى سبيل المثال نقابة الفنانين لا تستطيع تقديم مشروع ثقافي لعدم وجود تمويل، وإنتاج وزارة الثقافة ومؤسسات الإنتاج العامة لدي تحفظ على كل ما قدمته خلال الفترة الماضية لأنها لم تقدم شيئاً يذكر أو حتى يقارب الألم الذي مررنا به سواء كان على مستوى الأغنية أم على صعيد المسلسل أو أي جانب من جوانب الثقافة.
ما مطالبكم التي تطمحون إليها؟
أن يكون لدينا مؤسسة للإنتاج الغنائي والموسيقي تشغل الشعراء والموسيقيين والمغنين أسوة بالإنتاج الدرامي، وكما لاحظنا في الفترة الأخيرة هناك من يتاجر بالأغنية والعمل الفني، لذلك يجب أن يكون لدينا مؤسسة تابعة للدولة همها الأول هو الثقافة الوطنية أكثر من أن يكون همها الربح وإذا لم تحدثها الدولة فلن يأتي منتج خــاص وينتجهــا.
تحدث لنا عن الحفل المرتقب بمناسبة السادس من تشرين؟
نجهز الآن لمسرحية من إخراج مأمون الخطيب وتأليف محمود عبد الكريم وهي مسرحية عرض فني فيها مشاركة للسينما والغناء والرقص مع فرقة «آرام»، وبالسينما لدينا جهود المخرج جود سعيد وأيمن زيدان وشباب مثل حازم بخاري، ولدينا ضيوف بالمادة الغنائية مثل شهد برمدا، وعبود برمدا، ووفيق حبيب، إضافة إلى أدوار غنائية ضمن المسرحية متمثلة بالممثلة عبير البطل وبلال الجندي ومشاركة كوكبة من نجوم الدراما، نقدم من خلالها تحية للجيش العربي السوري وندعم من خلاله أسر الشهداء، والحفل برعاية وزارة الدفاع وذلك في يومي السادس والسابع من تشرين.
ماذا تحضّر من جديد؟
حالياً أحضّر لعمل مع المخرج الليث حجو بعنوان «الواق واق»، ومسرحية مع الفنان غسان مسعود، كما أننا نبدأ من الآن التحضيرات للموسم الرمضاني.