ما بين التشاركية والقطاع المشترك وهوية الاقتصاد السوري
| الدكتور نبيل سكر
لاحقاً للمقالات الأربع حول التشاركية التي أعددتها والتي تم نشرها في جريدة «الوطن» في تواريخ 15 و16 و21 و22 شباط 2017، أود في هذه المقالة توضيح الفرق بين مفهوم «التشاركية» ومفهوم «القطاع المشترك»، لما لحظته من خلط واضح بين المفهومين لدى معظم المسؤولين ومعظم الاقتصاديين والصحفيين، لا بل إن بعضهم جعل التشاركية هوية اقتصادية وعنوان المرحلة المقبلة، وكثرت المشاريع الاقتصادية وغير الاقتصادية المقترحة من هنا وهناك للانضواء في ظل قانونها، القانون رقم 5 لعام 2016.
فالمقصود «بالتشاركية» أصلاً هي شراكة بين قطاع الدولة الإداري (وأكرر الإداري) والقطاع الخاص في مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، وهي مشاريع ما كان للقطاع الخاص الدخول فيها بسبب مخاطرها العالية، وما كان هناك رغبة من الدولة السماح له في الدخول فيها لأنها مشاريع هدفها خدمة المصلحة العامة.
ولكن بسبب الحجم الكبير للاستثمار في هذه المشاريع ومحدودية موارد الدولة وعدم رغبتها في اللجوء إلى المديونية لتنفيذها، بدأ قطاع الدولة الإداري في دول عديدة في السنوات الثلاثين الماضية اللجوء إلى القطاع الخاص لتولي كامل الاستثمار في هذه المشاريع من خلال إقامة شركة خاصة تعمل حصراً لتنفيذ المشروع، مملوكة بالكامل من المستثمر أو مجموعة المستثمرين (يمكن طرح أسهمها للاكتتاب العام)، من دون أن تدخل الإدارة الحكومية صاحبة المشروع في ملكيتها، وتتحمل هذه الشركة كل مخاطر المشروع وتمويله (ذاتياً أو بالتعاون مع المصارف)، على أن تتولى مؤسسة الدولة صاحبة المشروع الإشراف على تنفيذه وضمان المصلحة العامة في ذلك، وتعود ملكية المرفق لكنف الدولة بعد انتهاء عقد المشروع مع الجهة الخاصة (ومن ثم فالتشاركية ليست خصخصة).
ولأن مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة تجمع بين فريق يهدف إلى الربح وآخر يهدف إلى المصلحة العامة، وهو ما يخلق تضارباً في المصالح، تصدر الدول عادة قانوناً خاصاً للتشاركية يمنح الحوافر للقطاع الخاص للدخول في هذه المشاريع العالية المخاطر ويضع ضوابط للحفاظ على المصلحة العامة في تنفيذها وإدارتها وتسعير خدماتها.
أما بالنسبة «للقطاع المشترك» فهو عادة شراكة استثمارية بين القطاعين العام والخاص في مشاريع سياحية أو زراعية أو صناعية أو غيرها، بهدف تحقيق الربح (أي من دون وجود تضارب في المصالح)، ومن ثم يمكن أن يخضع تأسيس هذه المشاريع ونشاطها للقوانين النافذة، من دون الحاجة لقانون خاص.
لكنه في الحالة السورية ولأن القطاع العام الاقتصادي يخضع تأسيس شركاته ونشاطاتها ورواتب عمالها إلى قوانين خاصة، في حين تخضع مشاريع القطاع الخاص لقوانين أخرى كقوانين التجارة والشركات والعمل، صدرت في سورية في السابق قوانين خاصة للقطاع المشترك الربحي الذي يجمع بين العام والخاص، بعضها في النشاط الزراعي وأخرى في القطاع السياحي وغيره.
وقد اختلفت أحكام هذه القوانين في غياب قانون خاص للقطاع المشترك يتم اعتماده في كل القطاعات.
وقد اقترحت في المقالات الأربعة المشار إليها أعلاه تعديل قانون التشاركية الحالي (القانون رقم 5 لعام 2016) قبل بدء العمل فيه، لإخراج المشاريع التشاركية الربحية منه (أي مشاريع القطاع المشترك) وحصره بمشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، مع إضافة المشاريع التشاركية في مجال إقامة المدن والمناطق الصناعية، نظراً لأهميتها في مرحلة إعادة الإعمار، معتبراً إياها مشاريع مرافق عامة.
كما اقترحت في هذه المقالات الإسراع بتمكين القطاع العام الإداري وتأهيل القطاع الخاص وتطوير القطاع المصرفي/ المالي استعداداً للتشاركية، حيث إن هذه القطاعات الثلاثة غير مستعدة لها بعد.
فالقطاع العام الإداري عليه رفع قدراته في طرح هذه المشاريع والإشراف على تنفيذها بشفافية وحرفية، بعيداً عن الضغوطات والمحسوبيات، والقطاع الخاص عليه التحول إلى العمل المؤسساتي، حتى لا يحتكر الأقوياء هذه المشاريع، والقطاع المصرفي/المالي عليه فتح الباب للمؤسسات المصرفية الاستثمارية والمؤسسات المالية غير المصرفية التي تقدم التمويل الطويل الأجل، لأن المصارف التجارية القائمة هي مصارف تجارية ولا تستطيع بودائعها القصيرة الأجل تقديم التمويل الطويل الأجل.
وأقترح بهذه المناسبة إصدار قانون خاص يسمى قانون القطاع المشترك، ينظم تشاركية العام والخاص في المشاريع الإنتاجية والخدمية الهادفة إلى الربح، نظراً لخضوع الطرفين لقوانين مختلفة بالنسبة لهذه المشاريع الربحية، لأن أهداف هذه المشاريع ومبرراتها وحجم استثمارها ومخاطرها ومتطلبات دور الدولة فيها وأساليب الإشراف عليها، مختلفة تماماً عن مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة.
وحين يأتي اليوم الذي يخرج فيه القطاع العام من المشاريع الربحية بالكامل، تاركاً إياها للقطاع الخاص، أو اليوم الذي يخضع فيه ما تبقى من مشاريع القطاع العام الاقتصادي إلى قوانين التجارة والشركات والعمل النافذة، مثلها مثل مشاريع القطاع الخاص، يتم إلغاء هذا القانون.
أخيراً، أعتقد جازماً أن قانون التشاركية في صيغته الحالية غير صالح للعمل للأسباب أعلاه ولغيرها من الأسباب مما تم ذكره في المقالات المشار إليها أعلاه، كما أن تعليماته التنفيذية التي تم «طبخها» خلال 3 أسابيع بأمر من السيد الوزير غير صالحة كذلك. وأقترح العودة إلى دراسة الموضوع من البداية بفكر جيد وعقل جديد، مذكراً بصيغة القانون الأولى التي تم إعدادها في العام 2010 بمساعدة خبراء دوليين متخصصين في هذا الموضوع والصيغة الأخرى التي تم إعدادها في العام 2014.
ومذكراً أخيراً أن التشاركية لا تشكل الجيل الثالث من أجيال الاقتصاد السوري (مثلما صرّح السيد رئيس مجلس الوزراء في شهر شباط 2016 بعد شهر من صدور قانون التشاركية)، بعدما كان الجيل الأول، بالنسبة لتصريحه، هو جيل القطاع العام والجيل الثاني هو جيل اقتصاد السوق الاجتماعي، فالتشاركية ليست هوية اقتصادية.