سورية وآفاق الدبلوماسية الروسية
| مازن بلال
تقلبت الأدوار الإقليمية في سورية طوال سبعة أعوام، واستهلكت الكثير من قوة الدول التي تورطت في الحرب الدائرة، ورغم أن الإستراتيجيات الدولية تجاه الأزمة السورية لم تتحول بشكل سريع؛ إلا أن المشهد أصبح مختلفا وعلى الأخص بالنسبة لعمليات التدخل الإقليمي، وللمواقف تجاه الأزمة وتداعياتها، فقطر التي انسحبت بشكل تدريجي تركت الساحة لصراع ما بين أنقرة والرياض، وانعكس هذا الأمر على طبيعة وفد «الهيئة العليا للتفاوض» وعلى المعارضة في الخارج عموما، ورغم أن المملكة السعودية لم تعد تملك هامش التحرك نفسه داخل الأزمة السورية، لكنها مضطرة للتعامل مع تناقضات المعارضة المنهكة من تبدل الأدوار الدولية والإقليمية.
عملياً فإن موسكو لعبت دوراً أساسياً في ذروة التدخل الإقليمي، فهي رغم الخلافات بينها وبين كل من تركيا والسعودية بقيت تعمل دبلوماسياً على زيادة خطوط التعاون بين الدولتين، وكان «نموذجا» لحل الأزمة السورية يعتمد بالدرجة الأولى على تغيير الأدوار وليس المواقف، فهي كانت تريد خلق تعاون ضد الإرهاب لإخماد الحرب، وفي الوقت نفسه تترك المجال السياسي مفتوحا للمواقف المعلنة بشكل صريح، أو تلك التي تعبر عنها الوفود المشاركة في جنيف استنادا لتوجهات الدول الداعمة لها، والمقاربة التي نشهدها اليوم في السياسة السورية تتعلق بالعلاقة ما بين موسكو وكل من الرياض وأنقرة؛ فهي تحمل أمرين أساسيين:
– الأول أن الافتراق التركي السعودي الذي برز للعلن خلال الأزمة القطرية لم يكن يعني بالنسبة لموسكو تبديلا على مستوى إستراتيجيتها في الأزمة السورية، فهي تتعامل مع المخاوف التركية عبر وجود أنقرة كشريك في الترتيبات العسكرية في مباحثات أستانا، على حين تترك للسعودية المجال السياسي لمحاولة تشكيل وفد معارض واحد من أجل مفاوضات جنيف.
يعترف الموقف الروسي وفق هذه المعادلة بالثقل الإقليمي الذي يحيط بسورية، فمن دون التوازن وفق وجهة نظر الكرملين لا يمكن إعادة الاستقرار إلى الأرض السورية، فالمخاوف السعودية من النفوذ الإيراني يتم التعامل معها من خلال شكل التفاوض الذي تتكفل السعودية بترتيبه، وفي المقابل فإن تركيا مهتمة بشكل أكبر بسلامة حدودها الجنوبية، وهو ما دفع موسكو لترك هامش لها كي تتحرك في مسألة المناطق الآمنة، فالترتيبات القائمة حالياً بالنسبة لروسيا «مؤقتة» حتى زوال الخطر، وهي في الوقت نفسه لن تمنع التحرك السياسي حتى بالنسبة لإيران لأن الدور السعودي ليس منافسا بقدر كونه معنيا بالحفاظ على خط أمان يسمح للرياض بدور داخل العملية السياسية.
– الثاني يتعلق بعدم الرجوع إلى المراحل السابقة في الأزمة؛ حيث كانت الدول الإقليمية تملك هامشا مفتوحا للعمل العسكري في سورية، فموسكو تفضل حسم مسألة الإرهاب بالتنسيق مع الولايات المتحدة وليس مع أي وكيل إقليمي، فإبعاد السعودية وتركيا عن هذا الموضوع سمح بمناطق خفض التصعيد، كما أنه وضع الولايات المتحدة أمام استحقاق مختلف تجاه المجموعات المسلحة.
تتعامل روسيا اليوم مع الحرب السورية بشكل أكثر وضوحا، لأن دعم الإرهاب أصبح مكشوفا بعد تحييد الدول الإقليمية، وأصبحت المسألة متعلقة بالوجود الأميركي في بعض المناطق السورية، وسمح هذا الأمر بحرية التعامل مع المجموعة التي لم تدخل في العملية السياسية، وهذه الإستراتيجية الروسية استعدت أيضاً لتعميق العلاقة مع السعودية، فالأزمة السورية أصبحت، بالنسبة لموسكو على الأقل، جملة من العلاقات الإقليمية لخلق توازن مختلف في شرقي المتوسط.