قضايا وآراء

الإرهاب والهجرة والشعبوية في الغرب.. لم تعد ألمانيا استثناءً

| قحطان السيوفي 

بعد أن عمل إعصار الشعبوية السياسية على زعزعة الغرب، بقيت ألمانيا كجزيرة، إلا أن الانتخابات الألمانية الأخيرة عرضت ألمانيا لخضة عنيفة، وتلقت المستشارة أنجيلا ميركل ضربة بفوز حزب «البديل لألمانيا» العنصري.
صوتت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وصوتت أميركا لمصلحة دونالد ترامب، وحقق اليمين المتطرف في فرنسا نتائج متقدمة، وفي برلين، حزب «البديل لألمانيا» الشعبوي فاز بـ13 في المئة في انتخابات ألمانيا الأخيرة، وضمنت ميركل فترة ولاية أخرى، لكن التطور المُقلق هو أن ألمانيا فقدت استثنائيتها أمام النزعة الشعبوية واليمين القومي، بنجاح حزب «البديل لألمانيا»، ليكون ثالث أكبر تكتل في البرلمان بأكثر من 90 عضواً.
قال وزير الخارجية الألماني، عن وصول حزب «البديل لألمانيا» إلى البرلمان: «سيكون لدينا نازيون حقيقيون في مجلس النواب الألماني للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية»، بالمقابل ومع حصول حزب اليسار المتطرف على 9 في المئة من الأصوات الانتخابية، فإن أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص في ألمانيا أعطى صوته لمصلحة الأحزاب الشعبوية.
لا يزال هذا المستوى من الدعم الشعبوي أقل بكثير من النسبة الكبيرة المؤيدة للشعبوية في الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا، ولقد منحت أزمة اللاجئين في عام 2015، ودخول أكثر من مليون من طالبي اللجوء لألمانيا، حزب «البديل لألمانيا» فرصة ليصبح حزبا معاديا لمسألة الهجرة، بدأ هذا الحزب التعامل مع التاريخ النازي للبلاد، وما قاله الزعيم المشارك للحزب ألكساندر جولاند: «إن للشعب الألماني الحق في أن يفخر بجنوده الذين شاركوا في الحربين العالميتين»، يسلط الضوء على الحقيقة التي مفادها أن كثيراً من العمال الألمان يشعرون بأن مستوياتهم المعيشية تتعرض للضغوط.
إن نتائج الانتخابات الألمانية تعني أن على ميركل التعامل مع حزب «البديل لألمانيا»، اليميني المتطرف، الذي يرغب في طرد البلدان الأضعف من منطقة اليورو، ومن المفهوم أن كثيراً من الألمان يشعرون بالفزع من أن حزبا لديه كل هذه المشاعر العنيفة المعادية للأجانب استطاع خرق المحرمات التي كانت حتى الآن تستبعد اليمين المتطرف من البرلمان الاتحادي.
هناك خوف من أن وصول الحزب إلى البرلمان يمكن أن يعمل وبصورة دائمة على أن يخشوشن الخطاب السياسي للدولة، عندما يطالب حزب «البديل لألمانيا» بهدم المآذن ويقول إن ألمانيا ينبغي أن تتوقف عن الاعتذار عن النازيين، ولقد خاض هذا الحزب الانتخابات بسبب قرار ميركل في عام 2015 فتح الحدود أمام أكثر من مليون لاجئ مُدعياً أن الوافدين المسلمين إرهابيون، ويسعون لطمس الهوية الوطنية، وفي هذا السياق، فالأصوات التي فاز بها اليمين المتطرف كانت أكثر من مجرد تعبير عن القلق إزاء الهجرة، وأيضاً مشاكل العولمة وموضوع الأجانب.
من ناحية أخرى؛ غضب الشرق الألماني من الإهمال والتهميش يدفع قارب اليمين المتطرف إلى جورليتز، المدينة الألمانية في ساكسونيا الشرقية التي تشتهر بجمالها ومعالمها التاريخية، وأظهرت الانتخابات العامة الأخيرة أن جورليتز معقل قوي لحزب «البديل لألمانيا»، الذي أثار نجاحه صدمة، وشجع على البحث عن الذات في برلين وبروكسل.
في جورليتز، فاز حزب «البديل لألمانيا» بتأييد 33 في المئة من الأصوات، والأسباب التي أدت إلى تحقيق الحزب لهذا النجاح تبقى موضوع جدل حاد: منها الإرهاب وأزمة اللاجئين في ألمانيا في عام 2015، ويسلط آخرون الضوء على أزمة الديون التي تعانيها منطقة اليورو، والشعور السائد على نطاق واسع بين الألمان بأنه يطلب منهم أن يدفعوا ثمن الأخطاء المالية التي ارتكبتها البلدان الأوروبية، وبعد مرور أربع سنوات خضعت خلالها ألمانيا لحكم ائتلاف تتزعمه ميركل؛ يسود شعور بأن الألمان في الشرق يتم تجاهلهم من الغرب الأغنى والمسيطر سياسيا.
يشعر بعض الناس في شرق ألمانيا وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لا تزال حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي في شرقي ألمانيا تعادل 73 في المئة فقط من حصته في الغرب، والبطالة أعلى بواقع نقطتين مئويتين مما هي في الغرب، ومتوسط الراتب الشهري في الغرب أعلى بكثير منه في الشرق.
معركة ضارية بدأت ضد سياسة الباب المفتوح التي تبنتها ميركل في عام 2015، ويبدو أن الشرق الألماني المُهمل سرع صعود الاتجاهات النازية الجديدة، ففي ساكسونيا، وهي ولاية صغيرة في جنوب شرقي ألمانيا، فاز فيها حزب «البديل لألمانيا» بنسبة 27 في المئة، فالإحباط لا يزال على نطاق واسع في الشرق، وبعد 27 عاماً من التوحيد، نتيجة الانتخابات تعتبر بمنزلة زلزال سياسي، فالحزب الذي يريد إغلاق حدود ألمانيا وفرض حملة صارمة على الإسلام في نطاق الإسلاموفوبيا، فاز بنسبة 22.5 بالمئة في الولايات الفيدرالية الجديدة.
الإرهاب التكفيري الذي ساهم الغرب في صناعته ودعمه في سورية والعراق؛ ارتد على الغرب ليشكل خطراً على أميركا وأوروبا، وأصبح مع تدفق اللاجئين من الأسباب التي ساهمت في تأجيج النزعة الشعبوية المتطرفة في الغرب، وقد أظهرت الانتخابات الألمانية الأخيرة تقدم النزعة الشعبوية وحتى النازية منها؛ ومن ثم لم تعُد ألمانيا استثناءً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن