الإعلام و.. التنجيم..!
| عصام داري
نشرت الصحف المصرية منذ أيام فضيحة مدوية بطلها المواطن المصري حاتم الجمسي، وهو بائع «ساندويش» في نيويورك حوّل غرفة في مطعمه إلى غرفة بث مباشر، يدلي من خلالها بتصريحات تتعلق بالسياسة الأميركية لعدد من وسائل الإعلام المصرية.
هذه ليست مزحة بل حقيقة كشفتها صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أن تنشرها الصحف المصرية، وتميط اللثام عن خداع عاشه المصريون طويلاً وهم يتابعون «تحليلات» هذا الخبير في الطعمية والفول والبيض، وكذلك في السياسة الأميركية!.
قد يكون هذا المواطن بارعاً ومتابعاً شديد الذكاء للسياسة الأميركية، وإلا فكيف نفسر إقبال شريحة واسعة من المصريين على متابعته على مدى أشهر، والاقتناع بما كان يقوله حول أكثر القضايا حساسية وفي دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية؟
الفكرة التي خطرت لي وأنا أقرأ عن هذه الفضيحة هي أن من يمتلك المعلومة أولاً يستطع أن يربح المعارك الإعلامية، لكن عليه أن يمتلك القدرة على استخدام هذه المعلومة وتقديمها للجمهور، والصياغة الجذابة.
الإعلام من دون معلومة يصبح نوعاً من التنجيم والاجتهاد غير مضمون النتائج، بل يمكن للصحفي والإعلامي أن يتورط في استنتاجات تخالف كلياً الموقف الحقيقي، وفي هذه الحالة يسير الإعلامي في حقل ألغام.
بعد تجربة طويلة في وسائل الإعلام السورية والعربية يحق لي أن أدلي برأي شخصي في هذا الموضوع، وهذا الرأي قد يكون الصواب، وقد يكون العكس، لكنني أزعم أنني أكتب بمنتهى الشفافية.
أعترف بأن المعلومة كانت غائبة بشكل شبه كامل خلال مسيرتي الإعلامية، وكان الاجتهاد سيد الموقف في معظم الأحيان مع كل ما يعنيه ذلك من مساءلة في حال عدم التوفيق في هذا الاجتهاد.
لكن المشكلة لا تنحصر بحجب المعلومات وحسب، بل بحجب المسؤولين أنفسهم، فلا يمكن الحصول على موعد من مسؤول إلا بشق الأنفس، والمضحك المبكي في الأمر أن معاون وزير لا يمكنه الظهور على الشاشات الوطنية إلا بعد موافقة الوزير! مع أن القيادة السياسية العليا كانت ومازالت تطلب من المسؤولين فتح أبوابهم أمام الإعلاميين.
ومن الغرائب أن رئيس وزراء سابقاً كان يدعو إلى اجتماع لوسائل الإعلام الرسمية، ويقول: اليوم فضلت الاجتماع مع وسائل الإعلام الوطنية! لاحظوا: الوطنية، فماذا عن وسائل الإعلام الخاصة، هل ننزع عنها صفة الوطنية؟
أظن أنه كان يقصد وسائل الإعلام الحكومية، وهنا يقع مسؤولو السلطتين التشريعية والتنفيذية في خطأ كبير عندما يعتقدون أن وسائل الإعلام يجب أن تكون حكومية، وليست للدولة، والفرق شاسع جداً، بين أن تطبل وسائل الإعلام للحكومة حتى لو كان الاحتفال بتدشين حنفية، وبين أن تتناول مشاكل الوطن والمواطنين، من الخدمات إلى المواقف السياسية الكبرى.
والغريب أن هناك حتى اليوم من لا يفرق بين الحكومة والدولة، وهنا المصيبة الكبرى، فوظيفة الإعلام ليست في تلميع الشخصيات وتقديم الشكر على إنجاز حكومي ما، فهذا الإنجاز هو في صلب مهام الحكومة وليس عملاً خارقاً تستحق عليه الثناء والإشادة والدعاء على طريقة مسرحية غربة!
كان هذا مجرد رأي.. وربما نوع من التنجيم!