قضايا وآراء

إسرائيل بدأت تخسر أوراقها

| تحسين الحلبي

يبدو أن إسرائيل تتابع بقلق شديد الوضع في السعودية والانتكاسات التي تتعرض لها في السياسة الخارجية والداخلية وتعد هذا التدهور خسارة لمشروعها الإقليمي في المنطقة.
ففي تحليل نشره «معهد أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي «INSS» في 27 أيلول الماضي يرى يوئيل غوجانسكي أن «الإستراتيجية السعودية تلقت ضربات وتعرضت لأضرار كبيرة في مكانتها الإقليمية بسبب المكاسب والإنجازات التي حققتها إيران بالمقابل»، ويضيف بأن السعودية «فشلت في سورية والعراق وها هي تتنازع الآن مع قطر ومع المشاكل الداخلية الصعبة»، وينصح السعودية «بتجنب النزاع المباشر مع أعدائها» لأن ذلك يعزز قوة المحور العربي الإسلامي المقابل بقيادة سورية وإيران وحزب الله، ويجذب القيادة العراقية للاعتماد على دعمه.
هذه المخاوف الإسرائيلية على السعودية تترافق مع «مظاهر باردة» في العلاقات السعودية الأميركية، وكأن واشنطن لم تعد تهتم إلا بالحصول على أموالها حتى لو تسبب انتقال جزء كبير من أموالها إلى الإدارة الأميركية بخراب داخلي سعودي وأزمات لا حلول لها، لأن العائلة المالكة ليس لديها غير المال سلاحاً تستخدمه للحصول على دعم الأصدقاء وعلى شراء الوكلاء الذين يمكن أن يحاربوا عنها، وإسرائيل تدرك أن كل تراجع تقوم به الرياض في سياستها بالمنطقة يعزز قدرة سورية وإيران وحلفائهما على إحباط أي مشاريع سياسية أو عسكرية تستهدفهما.
في هذه المعادلة تحسب إسرائيل حساباً لسهولة انتقال السعودية من السياسة الهجومية ضد إيران وحلفائها إلى سياسة براغماتية وسطية، حين تتلكأ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الضغط عليها ودفعها لانتهاج سياسة هجومية على محور المقاومة، كما تخشى إسرائيل بالمقابل أن تحمل زيارة الملك السعودي لموسكو تراجعاً في السياسة الهجومية السعودية ضد سورية، وخصوصاً بعد أن وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذه الزيارة بـ«اللحظة التاريخية»، ووصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«الحدث المميز الذي يسهم بتعزيز العلاقات» ويرى الخبير في السياسة الخارجية في «مجلس الشؤون الخارجية الروسي» يوري بارمين أن «السعوديين بدؤوا يلاحظون كيف بدأ ميزان القوى بالتغير في المنطقة وكيف يضعف النفوذ الأميركي ويزداد التأثير الروسي في الشرق الأوسط»، ويضيف: «يريد الملك سلمان الحصول على دعم روسي لولي العهد ابنه محمد بعد حربه المرفوضة شعبياً في السعودية ضد اليمن وبعد أزمته مع قطر».
في إسرائيل يرى سيث فرانتمان أن زيارة الملك سلمان من المحتمل أن تؤدي إلى تخفيف مخاوف الرياض من إيران وتعديل سياستها تجاه سورية، لأن المصلحة الأساسية للرئيس بوتين في كل علاقات بلاده مع الدول الأخرى، هي إطفاء لهيب الحرب ضد سورية وتخفيف الحملة العدائية ضد إيران، بدوره يعتبر سفير إسرائيل السابق في موسكو والباحث في معهد أبحاث الأمن القومي (INSS) الإسرائيلي تسفي ماغين أن «زيارة الملك سلمان أكبر من مجرد زيارة رمزية، إنها تحمل تغيراً لصورة روسيا في المنطقة وتخدم مصلحة سورية، لأن موسكو هي الداعم الأكبر دولياً للرئيس الأسد إلى جانب إيران التي تعدها الرياض عدواً».
صحيفة «يديعوت أحرونوت» تشير إلى أن الرياض تضررت من السياسة التي دفعها إليها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في تخفيض سعر برميل النفط بهدف حرمان موسكو من أرباح نفطها، وأصبح لدى موسكو والرياض الآن هدف مشترك في حماية مصالحهما النفطية وخصوصاً بعد أن فشل أوباما في توظيف الرياض ضد موسكو في هذا المجال، ويرى اقتصاديون في أوروبا أن الرياض أصبحت بحاجة ماسة لمزيد من المال والنفقات وربما تمكنت من الحصول على هامش مناورة في مجال السياسة النفطية من الولايات المتحدة.
ويستنتج بعض المحللين الإسرائيليين بأن بوتين هو الذي سيؤثر في الملك سلمان لأن الملك بحاجة إلى روسيا أكثر من حاجة روسيا إليه، ويستشهد هؤلاء بفشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أمام بوتين في مواضيع تخص المنطقة وسورية وإيران، وفي النهاية حقق بوتين ما يريد في ظل تراجع النفوذ الأميركي، ولذلك لابد أن يكون الملك السعودي هو من سوف يقدم التنازلات وكلما هدأ التوتر في العلاقات بين الرياض وموسكو ازدادت خسارة إسرائيل وتراجع دورها الوظيفي الإقليمي الذي بدأ يتآكل بفضل صمود سورية وحلفائها وانتصاراتهم الميدانية والسياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن