قضايا وآراء

استفتاء كتالونيا.. لحظات حرجة

| أكرم سعيد

تتجه أنظار حكومات دول العالم والحكومات الأوروبية بشكل خاص بنوع من الترقب والصمت تجاه الأحداث التي يشهدها إقليم كتالونيا في المملكة الإسبانية، بعد الاستفتاء الذي أُجري في الأول من تشرين الأول الماضي بخصوص انفصال الإقليم، وأجواء التوتر السياسي السائدة حيث قررت عدة بنوك مثل CaixaBank وSabadell، وعدة شركات منها Freixent، وGas Natural وغيرها، نقل مقراتها من كتالونيا إلى محافظات أخرى متل فالنسيا وأليكانتي ومدريد، بالإضافة إلى تعليق قمة غرف التجارة الأوروبية المقرر عقدها في برشلونة في نهاية الجاري وبحضور 300 شخصية، إلى أجل غير مسمى.
الاستفتاء الذي أُجري في الأول من تشرين الأول بمشاركة 2,262 مليون ناخب من أصل 5,343 مليون شخص يحق لهم التصويت، وحقق نسبة 90 بالمئة لمصلحة الانفصال، حسبما أعلنه رئيس الحكومة كارلس بويغديمونت، لم يحظَ بتأييد شعبي في بقية المقاطعات الإسبانية التي خرجت فيها تظاهرات تنديداً بالاستفتاء، كما لم يحظ بتأييد رسمي فأكد رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي أنه غير شرعي ومخالف للقانون والدستور الإسباني المقر منذ 1978، كما لم يحظ الاستفتاء بأي دعم وتأييد دولي، لكن هل تقف هنا محاولات كتالونيا الانفصالية عن المملكة الإسبانية؟ وهل سيصب هذا الانفصال في مصلحة كتالونيا وتحظى باعتراف دولي؟
لم تنسق حكومة بويغديمونت المحلية مع الحكومة الإسبانية، ولم تتحاور للتوصل إلى صيغة معينة والتوافق على إجراء استفتاء على غرار استفتاء إسكتلندة للانفصال عن المملكة المتحدة الذي أجري بالتوافق مع الحكومة البريطانية وصدر القرار بذلك من البرلمان البريطاني في أيلول 2014 حيث صوت نسبة 55، 42 بالمئة من الناخبين ضد الاستقلال مقابل نسبة 44، 58 لمصلحة الاستقلال، وكذلك الأمر بالنسبة لاستفتاء كيبيك للانفصال عن كندا، والذي كان بموافقة الحكومة الكندية وكانت نتيجة التصويت لمصلحة عدم الانفصال عن كندا وبفارق بسيط، حيث صوت نسبة 50,6 بالمئة لمصلحة عدم الانفصال، على حين 49,4 بالمئة من الأصوات أيدت الانفصال.
الحكومات الأوروبية وعلى رأسها بلجيكا وألمانيا وهولندا، اكتفت بتوجيه الانتقادات لأحداث العنف التي شهدها إقليم كتالونيا من الشرطة الإسبانية وتسببت بجرح أكثر من 800 شخص، دون أن تبدي أي اعتراف أو دعم لاستقلال كتالونيا، لأن ذلك قد يضعها في موقف حرج أمام نشوء حركات انفصالية مماثلة في القارة العجوز، كما أعربت الولايات المتحدة الأميركية على لسان رئيسها دونالد ترامب، أنه من الحماقة عدم استمرار كتالونيا كجزء من المملكة الإسبانية، أما رئيس إقليم كتالونيا الأسبق أرتور ماس فأقر أن كتالونيا ليست مستعدة لاستقلال حقيقي.
لم يكن استفتاء كتالونيا هو الوحيد الذي لم يلقَ دعماً وتأييداً دولياً، فها هو استفتاء إقليم كردستان العراق الذي أجري بوقت متقارب من استفتاء كتالونيا، وكلاهما أُجريا بشكل أحادي الجانب دون أي تنسيق مع الحكومة المركزية.
نفت الحكومة الإسبانية على لسان رئيسها ماريانو راخوي، رئيس حزب الشعب الحاكم، وجود أي استفتاء بالأصل واعتبرته غير شرعي ومنافياً للدستور، حيث تنص المادة الثانية «أن إسبانيا هي دولة موحدة لا يمكن تجزئتها أو تقسيمها، وهي وطن مشترك لكل الإسبان»، والمادة الثالثة تنص أن اللغة القشتالية هي اللغة الرسمية للبلاد، وبقية اللغات مثل اللغة الكتالونية والغاليسية والباسك هي لغات رسمية في أقاليم الحكم الذاتي، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة العراقية التي اعتبرت أن استفتاء كردستان غير شرعي ويخالف الدستور كما صرح به رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وتاريخياً، فإنه وصل إلى الشواطئ الغربية لشبه الجزيرة الإيبرية، كلا من الفينيقيين والإغريق والرومان، ثم جاءت بعدها الفتوحات الإسلامية والجرمانيين، ومن ثم تشكلت المقاطعات الكاتالونية التي اتحدت فيما بعد مع إمارة أراغون.
شهد التاريخ على عدة محاولات لانفصال إقليم كاتالونيا عن الحكومة المركزية الإسبانية، ففي عهد الجمهورية الأولى التي تشكلت عام 1873، حدثت مواجهات بين الجمهوريين الذين يدعون لجمهورية موحدة وبين من نادوا بجمهورية فيدرالية، وحينذاك حاول الكاتالونيون تشكيل دولتهم المستقلة لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
تشكلت أول إدارة للإقليم ما يعرف «جينيراليتات» في عهد الجمهورية الثانية ما بين 1930- 1939، كما لاقت محاولاتهم الانفصالية رفضاً وقمعاً خلال فترة حكم الجنرال فرانكو الذي لاحق الأحزاب السياسية المناهضة لنظامه وقمع الأحزاب التي تنادي بالانفصال واللغة والأدب الكاتالوني، لكن بعد نهاية حكم فرانكو ودخول الممكلة الإسبانية مرحلة التحول الديمقراطي، عادت إدارة الإقليم للظهور من جديد عام 1977.
لكن ماذا لو انفصلت كتالونيا عن الحكومة الإسبانية المركزية؟ وما الجوانب السلبية المترتبة؟
لقد قامت إسبانيا بكل الإجراءات اللازمة لمنع إجراء الاستفتاء في كتالونيا، من مصادرة لصناديق الاقتراع وأوراق التصويت، وإغلاق مراكز الاقتراع، كما طالبت شركة «غوغل» بإيقاف بعض التطبيقات الالكترونية التي يمكن استخدامها في عملية التصويت والاستفتاء.
انفصال كتالونيا سيتسبب بخسارة إسبانيا 212 مليار يورو من الناتج الإجمالي المحلي، و7,5 ملايين شخص، بالإضافة إلى خسارة الموارد المائية والطبيعية في المنطقة الممتدة من نهر الإيبرو إلى جبال البرانس، وفي قطاع النقل، تتمثل الخسارة الرئيسية في ثاني أهم مطار من حيث عدد المسافرين والثالث في مجال نقل البضائع، بالإضافة إلى خسارة ثاني ميناء في البلاد في مجال النقل، بالإضافة إلى خسارة مفاعلين نووين.
تشكل الصادرات في إقليم كتالونيا نسبة 27 بالمئة من إجمالي الصادرات الإسبانية، وما تستورده يشكل نسبة 28 بالمئة من إجمالي الإيرادات الإسبانية، حسب إحدى التقارير الإقتصادية، وتعد كتالونيا من الوجهات الرئيسية السياحية في إسبانيا، فقد استقبلت فقط خلال شهر آب الماضي 2، 6 مليون سائح أجنبي، وهي الوجهة الأولى للسياحة الداخلية، ونصيبها من عدد السياح الأجانب لإسبانيا تبلغ نسبة 24، 6 بالمئة.
جغرافياً، انفصال كتالونيا عن الحكومة المركزية يعزل إمارة أندورا عن جارتها الإسبانية، ويصبح من غير الممكن الوصول إليها عن طريق إسبانيا، كما تفقد ارتباطها مع فرنسا على المتوسط.
ربما لن تقف المحاولات الانفصالية لكتالونيا عند هذا الحد، والتي تبحث عن شرعنة حلمها الذي يراودها منذ أكثر من قرن، لكن الحكومة الإسبانية وكما كررها مراراً رئيسها ماريانو راخوي، لن تتساهل أمام أي حركات انفصالية منافية للدستور قد تفتح الباب أمام حركات انفصالية أخرى في الداخل الإسباني كإقليم الباسك، فتضعف وحدة البلاد واقتصادها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن