«قتل الديمقراطية» يحلل بموضوعية الصراع الدائر … يرسم الخطوط العريضة لتحديد مسارات المواجهة وما ستؤول إليه في المستقبل
| سوسن صيداوي
تناقض فظيع بين ما تفرضه المنظومة الغربية وبين ما تعيشه. ما دامت الشعوب العربية وشعوب أخرى من أنحاء العالم، خاضعة لعقود من الزمن لأطماع الغرب الرأسمالي، ومخططاته، وأدواته التي يستخدمها من أجل فرض قيمه وثقافته وديمقراطيته المزعومة، متجاهلاً تماماً حق الشعوب ببناء نظامها السياسي الديمقراطي الذي يحترم الحريات السياسية، وحقوق الإنسان الأساسية، ولكن اللوم لا يقع عليه وحده لأننا لو كنا جميعاً نؤمن بحقوقنا لما سرنا في الطريق الخطأ وضحينا بحرية الأوطان وسيادتها، مقابل شعارات واهية ترفعها لنا دول متجاهلة حتى حقوقنا الإنسانية.
إن كتاب(قتل الديمقراطية.. عمليات المخابرات المركزية الأميركية والبنتاغون في الفترة ما بعد الحقبة السوفييتية)، ترجمة: لؤي إبراهيم عمران، مراجعة د. بسام أبو عبد اللـه. الواقع في 719 صفحة من القطع الكبير، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، له أهميته الخاصة والاستثنائية لفهم حقيقة ما يجري في العالم من تحولات سياسية واقتصادية راهنة في سياق ما سمي«الثورات الملونة» و«الربيع العربي»، وكشف الدور الأميركي/الأوروبي الخفي والمعلن، بالأدلة والوثائق، في تعميم الفوضى وإشعال الحروب الداخلية تحت عناوين براقة تفضي في النهاية إلى «قتل الديمقراطية»، ونشر الخراب، بهدف تمكين أمريكا وحلفائها من التدخل في شؤون الدول التي لا تتوافق مع سياستها، وتغيير أنظمتها بأساليب عدة تبدأ بالقوة الناعمة مثل المشاريع الثقافية، والمنظمات غير الحكومية، والتضليل الإعلامي والنفسي، والعقوبات الاقتصادية، وتنتهي بالحروب بالوكالة، والتدخل العسكري السافر، لتوسيع نطاق الهيمنة والنفوذ، والسيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها الوطنية، ومصادرة قرارها المستقل، ولعل ما حدث ويحدث في يوغسلافيا وجورجيا وفنزويلا والعراق وسورية شاهد على ذلك. كتاب «قتل الديمقراطية»من أجل وصف وتحليل عمليات الولايات المتحدة الأميركية والناتو في فترة ما بعد الحقبة السوفيتية عبر مجموعة دولية من المؤلفين، وكبار المتخصصين في دولهم الذين اتبعوا أسلوباً علمياً حازماً، معتمدين على الوثائق والحقائق آخذين بالحسبان الأفق التاريخي. وهذا الكتاب يؤسس بموضوعية لتحليل الصراع الدائر اليوم في عالمنا، ويرسم الخطوط العريضة لتحديد مسارات المواجهة وما ستؤول إليه في المستقبل.
في المقدمة
استُهل الكتاب بمقدمة بسام أبو عبد اللـه، ذكر فيها أن هذا الكتاب هو النسخة العربية من الكتاب الذي يقدم تحليلاً علمياً موضوعياً، وموثقاً لنشاطات، وأعمال الأجهزة الأميركية، وأدواتها في مناطق مختلفة من العالم، متابعاً بأن الكتاب «يكشف معلومات دقيقة، ومهمة حول الطرق، والأساليب المتبعة لقلب الأنظمة السياسية المستقلة والمعادية لنهج الهيمنة الأميركي، كما يُعري الدعاية الغربية حول مفاصل مهمة في تاريخ العلاقات الدولية المعاصر مثل «الحرب على يوغسلافيا، العراق، ليبيا، سورية»، إضافة لما يجري في أميركا اللاتينية، وإفريقيا، وآسيا الوسطى، وأوروبا. يتضمن الكتاب مادة علمية موثقة لنا نحن المهتمين بالعلوم السياسية، والعلاقات الدولية، والعلوم التاريخية، والعاملين بالشأنين السياسي والإعلامي حيث يمكّننا من امتلاك الحجة، والمنطق، والمعلومة في مواجهة الساعين للهيمنة، والسيطرة على الشعوب، وقلب الأنظمة، ولمواجهتهم بقوة الحق وثقافة المقاومة، وفضح كل أساليبهم، وأدواتهم».
مشيراً إلى أن إصدار النسخة العربية من هذا الكتاب هو حصيلة جهد ساهمت به وزارة الإعلام، ووزارة الثقافة ممثلة بالهيئة العامة السورية للكتاب، إضافة إلى جهد السفارة السورية في موسكو، وهو نموذج مطروح أمام النخب السورية من أجل إنتاج علمي جماعي يقدم قيمة مضافة، ونتاجا علميا راقيا ورصينا.
الكتاب الأساس
إن هذا الكتاب استمرار للعمل الأساسي للمؤرخ والباحث وليام بلوم «قتل الديمقراطية: عمليات المخابرات المركزية الأميركية والبنتاغون في فترة الحرب الباردة». والغاية من الكتاب كشف الحيل والأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية: ابتداءً من التأثير الخفي لها عن طريق المشاريع الثقافية والمنظمات غير الحكومية وصولا إلى القصف العلني والحروب الواسعة النطاق. مسلطاً الضوء على الأدوات التي استخدمتها أميركا أيضاً الأدوات الاقتصادية-العقوبات، والقروض، والخصخصة الإجبارية، والسيطرة على الثروات الطبيعية والموجودات الأساسية للدولة، وعضويتها في حلف الناتو ومشاركتها في عملياته، والمماطلة في التعاون في تقديم الخدمات الخاصة تحت يافطة «مكافحة المخدرات» و«مكافحة الإرهاب»، والتأثير الإعلامي والعمليات النفسية والتشجيع على الانفصال. وفي مستهل كتابه يرى وليام بلوم أن ممارسات الولايات المتحدة الأميركية لم تكن خلال وجود الاتحاد السوفييتي ولا بعد انهياره ذات حركة مجيدة ونبيلة في دعمها للحرية والديمقراطية، إذ إن هذه الحركة كما يقول بلوم ترمي إلى دعم الأنظمة السلطوية والممالك المطلقة المستعدة للالتزام بالقواعد الأميركية الصارمة بخصوص النفط، والقواعد العسكرية وإسرائيل، والحفاظ على المصالح الاقتصادية والسياسية الأميركية في دولهم مقابل دعم البنتاغون والمخابرات الأميركية لبقائهم في السلطة.
سورية: صورة العراق بعد عشر سنوات
في هذا الفصل المتعلق بسورية والذي كتبه مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية الدكتور بسام أبو عبد اللـه، استهله بالحديث عن أسلوب القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، خلال عقود طوال من هيمنتها العالمية، على الترويج لمفاهيم سياسية عالمية تتلاقى وتتمايز بما يخدم مصالحها في مختلف بقاع العالم، ومنها ما دأب الغرب على تقديمه من مفاهيم جيوسياسية لفرز العالم إلى مناطق وأقاليم، تكون فيه دولة ما جزءا من مسمى جيوسياسي إقليمي أو أكثر بحسب ما تتطلب المصالح الغربية. مشيراً إلى أن سورية في منظومة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، جزء من شرق أوسط صغير وتارة كبير، وحلقة طوق سياسية الاحتواء خلال حقبة الحرب الباردة، وفي المرحلة الراهنة تقدّم منهم على أنها جزء من عالم عربي تتلقفه أمواج ربيع هائج لا بد أن تجرف معها مناوئي القوى الغربية في البلاد، وهو التغيير الذي تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها من القوى الغربية والإقليمية على صياغته وإخراجه. وعن التدخل الأميركي في سورية تحدث د. بسام أبو عبد اللـه بأن العلاقات السورية الأميركية محكومة بتقلبات المصالح الأميركية في المنطقة منذ استقلال الدولة السورية بحدودها الحالية في منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى تاريخه. معتبراً الهجمة التي تتعرض لها سورية من واشنطن وطوق حلفائها ليست بالجديدة، فقد عرفت دمشق أدواراً أميركية مختلفة خلال مختلف مراحل تطور المشهد السياسي السوري. مشيراً في مكان آخر إلى أن السياسة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة والهادفة إلى السيطرة على مناطق مختلفة من العالم تقوم على نهج «البلقنة» في إضعاف وتقسيم بعض المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية اقتصادياً وعسكرياً. وفي نهج الولايات المتحدة الجديد تجاه دول الشرق الأوسط، إضعاف تلك الدول وتقسيمها والحد من استقلالية قرارها السياديّ لتمرير المشاريع الأميركية بأقل تكاليف ممكنة، وعلى ذكر التكاليف سلط د. عبد اللـه في بحثه على أن الولايات المتحدة تعاني أزمة اقتصادية خانقة مستمرة منذ مطلع العام 2008، أدت إلى عجز متزايد في الميزانية الأميركية بلغ 1.1 تريليون دولار في عام2012، الأمر الذي حكم على الإدارة الأميركية بضرورة اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة تحد من الإنفاق الحكومي في معظم القطاعات الفيدرالية. ويعد القطاع العسكري من أكثر القطاعات الفدرالية المستهلكة نتيجة الإستراتيجية العسكرية والسياسة العالمية التي تنتهجها واشنطن وتفرض عليه نشر قواته في بقاع مختلفة من العالم وإنشاء قواعد عسكرية خارجية من أساطيل بحرية وقواعد جوية وفرق مدرعات وقوات خاصة برية، ومن هنا كان لزاماً على الإدارة الأميركية خفض نفقات الدفاع لتقليص العجز في موازنتها، مع انتهاج إستراتيجيات عسكرية بديلة تتلاءم مع قيود الأزمة المالية وتسد الفراغ الناتج عن خفض الإنفاق العسكري. كما سلط الباحث الضوء على العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فُرضت على سورية، وبأنها كانت متفاوتة الأشكال والدرجات ويرجع السبب إلى فرض واشنطن لتلك العقوبات لعدم تماشي دمشق مع مصالحها في المنطقة، وبالتالي فرضت العقوبات-التي جسدت نهجا متواصلا وفرضت بشكل تراكمي عبر سنوات طوال-كي تضغط على دمشق لتقديم تنازلات سياسية وتغيير سلوكها. أما من جهة الإعلام ودوره الفاعل في تعزيز الأزمة في سورية فأشار د. عبد اللـه إلى أنه ومنذ بداية الأزمة السورية في 18 آذار 2011 وسورية تتعرض لهجمة إعلامية ممنهجة تشنها الولايات المتحدة الأميركية والدول والمنظمات العالمية والإقليمية، شاركت فيها وكالات الأنباء العالمية، وبأن هذه الحرب لم تتقيد من حيث أهدافها بحدود سورية والجمهور السوري بل تشمل شعوب المنطقة وشعوب العالم الإسلامي ككل بهدف تجييش المشاعر المعادية للدولة السورية والتحريض على التطرف ضد الدولة السورية متابعاً في مكان آخر، ولحرمان سورية من الرد وصد الحملة الدعائية الخارجية التي تقودها الدول المعادية لسورية، حيث أصدرت جامعة الدول العربية قراراً بحظر بث عدد من القنوات التلفازية السورية والحكومية والخاصة على الأقمار الصناعية (النيل سات والعرب سات) وكثفت الجبهة الأوروبية من هجمتها الإعلامية المستهدفة لسورية عبر إصدار قرار مواز بمنع بث القنوات السورية على القمر الأوروبي (هوت بيرد). معتبراً في ختام بحثه أن الهجمة الإرهابية الغربية على سورية هي جزء من إمبريالية عالمية لإخضاع الدول المعادية للمشروعات الغربية في مختلف بقاع العالم، مؤكداً ضرورة التنبّه إلى الخطر المشترك الذي يتهدد مختلف دول العالم وهو الإرهاب الذي يعد أخطر أدوات تنفيذ المشروعات الإمبريالية الغربية في مختلف بقاع العالم.