احتمالات التصعيد الأميركي ضد كوريا
| تحسين الحلبي
تزايدت في وسائل الإعلام الأميركية والأسترالية أمس الأنباء التي ترد فيها احتمالات تصعيد الولايات المتحدة للضغوط على كوريا الديمقراطية والتهديد بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآتها العسكرية وقواعد الصواريخ، وكشفت المجلة الإلكترونية الأسترالية «موقع الاشتراكيين الأمميين» أن أستراليا بدأت تحشد قوات للمشاركة في التهديد العسكري الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد كوريا الديمقراطية، وأن مجموعة سفن حربية أسترالية تشق طريقها نحو جنوب المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا، وستصل هذه السفن خلال أسابيع مقبلة إلى مياه كوريا الجنوبية واليابان لدعم حاملات الطائرات الأميركية.
تحتفظ الولايات المتحدة بعدد من القواعد العسكرية في أستراليا، وكان رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميللي قد وجه خطاباً الثلاثاء الماضي أمام عدد من قادة الجيش قال فيه: «إن الجهوزية القتالية أصبحت الأولوية رقم 1، فلا تنتظروا أوامر أو تطبعوا إجراءات جديدة فأنتم المسؤولون عن جهوزية وحداتكم، وأقولها ببساطة أريد منكم أن تكونوا جاهزين لما قد يأتي»، وكان ميللي قد أعلن أمام الصحافة في وقت آخر أن «حرباً شاملة على أراضي شبه الجزيرة الكروية ستكون رهيبة ولا أحد يشك بذلك، وهناك جدول زمني وليس مدة غير محددة، وهناك قرارات سيجري اتخاذها».
لا شك أن هذه العبارات جديدة نسبياً في موضوع النزاع الحاد والمتصاعد بين إدارة ترامب وبين كوريا الديمقراطية منذ إعلان ترامب ووزير الدفاع جيمس ماتيس عن أن «كل الاحتمالات أصبحت على طاولة القيادة الأميركية فيما يتعلق بالنزاع مع كوريا الديمقراطية» قبل أسبوعين تقريباً.
وكشفت مجلة «بلومبيرغ» الأميركية الإلكترونية أن قادة كوريا الديمقراطية يعدون لإطلاق عدداً من الصواريخ القصيرة المدى عند اقتراب افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في 18 تشرين الأول الجاري بموجب ما ذكرته صحيفة كورية جنوبية، وكانت كوريا الديمقراطية قد أطلقت 71 صاروخاً من هذا النوع القصير المدى في أسبوع واحد في آذار من عام 2014، وتضيف الصحيفة الكورية الجنوبية إن إطلاق هذه الصواريخ سيشكل نوعاً من الاحتجاج ضد المناورات الأميركية الكورية الجنوبية العسكرية المقبلة.
وأمام هذه التطورات يرى المحللون في الشؤون الإستراتيجية، أن هذه التهديدات الأميركية يراد منها زيادة الإعلان عن «قوة الردع» التي تلوح بها الولايات المتحدة وحلفاؤها من أستراليا إلى كوريا الجنوبية واليابان، لأن أي اشتباك عسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية ستنتقل مضاعفاته فوراً على الصين ومكانتها ودورها كقوة كبرى في آسيا وخصوصاً في منطقة بحر الصين التي شكلت نقطة نزاع مركزية بين واشنطن وبكين وحلفاء بكين على المستوى العالمي والإقليمي.
ولذلك يستنتج المعقبون على هذه التطورات في أوروبا والولايات المتحدة، أن المعادلة التي فرضتها كوريا الديمقراطية باستخدام صواريخها من نوع قصير المدى التي يصعب جداً تعقبها وإسقاطها قبل وصولها إلى الهدف، ستظل تشكل كابوساً مدمراً لكل من كوريا الجنوبية واليابان ما دامت القيادة الكورية الديمقراطية تهدد بهذه الصواريخ أهم حليفين لواشنطن، فهذه المعادلة وقيمتها في «قوة الردع» لكوريا الديمقراطية لا تزال قائمة في أغلب الاحتمالات، ولم تستطع التكنولوجيا العسكرية الأميركية حتى الآن التغلب على هذه الصواريخ، وربما اختارت القيادة الكورية الديمقراطية إطلاقها بعد أسبوع لتذكير كوريا الجنوبية بخطورة الاشتراك مع واشنطن في حرب على كوريا الديمقراطية.
هناك من يرى أن السياسة الأميركية لا تزال في مرحلة تمهيد الظروف المطلوبة لتهيئة الاستعدادات لاحتمال المبادرة بشن «حرب شاملة» بموجب ما يقوله رئيس أركان الجيوش الأميركية مارك الكسندر ميلي، فهل ضمنت واشنطن عدم انتقال هذه الحرب على كوريا الديمقراطية إلى حرب عالمية؟ وهل تأكدت من التوقيت الذي حددته لها؟ وهل أعدت أوروبا نفسها وخصوصاً بريطانيا لهذا التوقيت؟
يبدو أن ما تطلبه واشنطن من أستراليا ذات الصلة جغرافياً في منطقة المصالح الإستراتيجية الأميركية في المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا وبحر الصين، لن يتجاوز في أغلب الاحتمالات مهمة تحريك قطعات بحرية في تلك البحار مع حلفاء في جنوب شرق آسيا في محاولة لزيادة «التلويح بقدرة الردع» المتصاعدة تمهيداً لحل يخفض من مطالب كوريا الديمقراطية وحلفائها.