قضايا وآراء

وافقت السعودية أم طلبت؟!

| عبد المنعم علي عيسى

حتى الأمس القريب، كانت زيارة موسكو للسعوديين، ممثلين في هذه المرة برأس هرم سلطتهم، أمراً غير متاح، إن لم يكن محرماً، فروسيا هي وريثة الاتحاد السوفييتي «الملحد» ولا يغفر لها أنها عادت بعد الزلزال، إلى استعادة الروحية اللازمة لموجبات الحضارة الأخرى، إذا ما أرادت هذه الأخيرة أن تنهض في مناخ ثقافي ونفسي مريح.
كانت تلك الاستعادة ناقصة أو أن ما سبقها قد ترك من الشوائب أو الرواسب ما يكفي لـ«تلطيخ» الزعامة الإسلامية للمملكة، وشكل هذا المعطى الأخير ركيزة أساسية في السياسات التي تنتهجها المملكة تجاه الدولة العظمى أو وريثتها الدولة الكبرى، على حين كان الآخرون بمن فيهم السوفييت أو الروس، لا يستطيعون النظر إلى أي قادم من السعودية إلا ككيس نقود متحرك، كان ذلك بالتأكيد قبيل التطورات الأخيرة التي عصفت بالاقتصاد السعودي إلى أن جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليكنس ما تبقى من المال في أيار الماضي.
تقول وكالة «بلومبيرغ» الأميركية في تقرير لها يرصد الحال الاقتصادي الراهن للمملكة: إن الرياض اضطرت مؤخراً لبيع سندات سيادية بقيمة 12,5 مليار دولار لسد العجز الحاصل في ميزانيتها، وتضيف: إن الخطوات في هذا السياق قد تتسارع لاحقاً قياساً لحركة الاقتصاد السعودي، وإن النمو الاقتصادي له لن يزيد على 1 بالألف لهذا العام، ثم يذكر التقرير بأن الرياض سبق لها أن سحبت من احتياطيها النقدي منذ عام 2014 ما يزيد على 230 مليار دولار، وهذه الحال الاقتصادية المتردية تحدث في ظل وصول النفط السعودي المصدر إلى حدود 10,5 ملايين برميل يومياً وهذا هو المعلن رسمياً، إلا أن هناك تقارير غربية تقول إن الواقع لا يقارب المعلن على الإطلاق، فسقف الصادرات اليومية من النفط يصل إلى ما بين 15-16 مليون برميل منذ صيف عام 2015، أي منذ أن قررت واشنطن خوض حرب اقتصادية شرسة على الروس في أعقاب التناقض الهائل في المواقف والمصالح بين واشنطن وموسكو.
في ظل هذه المعطيات نقول إن المملكة سوف تذهب باتجاه إجراء مراجعة شاملة لرؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في نيسان 2016، هذا إذا لم تكن الخطوات العملية قد ذهبت فعلاً نحو ذلك الاتجاه، ولربما يصح القول هنا: إن زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو في الخامس من الشهر الجاري كانت تندرج في هذا السياق، صحيح أن للزيارة دوافع عدة سياسية بالدرجة الأولى، فالرياض تبدو باحثة وبشكل محموم عن إقناع المدرب الروسي بأن يجري إدخالها إلى المباراة الجارية على الكأس السورية ولو كان ذلك في الدقائق الخمس الأخيرة وذاك وفق الرؤية السعودية أفضل من الابتعاد نهائياً عن المشاركة في ظل قيام ورسوخ تحالف روسي إيراني تركي في سورية من شأنه أن يؤدي تلقائياً إلى تهميش الدور السعودي.
تشير الزيارة إلى أن الجناح الذي رجح أخيراً فيما يخص رؤية 2030 هو الجناح المعارض لها، وربما كان ذلك من حسن الحظ للمملكة، إذ ما دام قد تأكد سريعاً أن تلك الرؤية في جوهرها ليست كما تم تسويقها على أنها خطوة متقدمة لتحديث أدوات ووسائل الإنتاج، وهي لا تعدو أن تكون أرضية أراد من خلالها ابن سلمان أن يبني عليها مشروعيته في الحكم، الأمر الذي يفسر شدة اللهاث الجاري وراء تحقيق أي نوع من الإنجازات، وفي أي مجال كانت، فالزمن يضيق والمتبقي قد لا يكون كافياً لأمر من هذا النوع، فقفز «الأمير» إلى رأس هرم السلطة في البلاد بات قريباً بل قريباً جداً، وهو ما تؤكده أحداث اعتقال النخب السياسية والدينية منذ منتصف أيلول الماضي ولا تزال، وبكل المقاييس يمكن القول إن الزيارة السابقة الذكر لم تكن من موقع قوة وإنما كانت من موقع ضعف فاضح، وللأمر اعتباراته وأهميته.
في اليوم الثاني للزيارة، صدر بيان سعودي جاء فيه: «إن السعودية قد وافقت على شراء صواريخ «إس 400» الروسية المتطورة»، وبعد ساعات على صدور البيان خرج الناطق باسم الكرملين ليعلن مصححاً «أن الوفد السعودي طلب تزويد بلاده بصواريخ «إس 400»، والفارق بين الاثنين هائل، فإن توافق السعودية فذاك يعني أن الطلب جاء من الكرملين مع رجاء الموافقة عليه، أما أن يطلب الوفد السعودي فهذا يعني أن الرياض تبحث عن شيء ما وقد ارتأت النفاذ إليه من خلال الـ110 مليارات دولار هي قيمة الصفقة.
أراد الكرملين أن يقول للسعوديين: عليهم أن يفيقوا من واقع سابق بات الآن من الماضي وهو الذي كان يسمح للمسؤولين السعوديين بأن يقولوا «وافقت السعودية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن