اقتصاد

«نصيب» وصراع الحدائق الخلفية

| علي محمود هاشم 

بشكل نهائي، جسّد الحضور القوي لقطاعات النقل والنفط في اجتماعات «سوتشي» للجنة السورية الروسية، قرار النهوض بحيوية الجغرافية السورية التي تتقاطع عندها المسالك الأمثل لممرات الطاقة والتجارة شرق المتوسط.
القرار السوري الروسي، ردّ بحسم على الروح الشيطانية التي وقفت خلف الحرب على سورية، وعلى المحاولات البديلة التي تموج على حدود المنطقة، بعد إخفاق الغرب التاريخي في تجديد هيمنته عليها، مستبقا تلاويح التبدل في معادلة الداعشية على الحدود السورية العراقية، ذهب «اللسان» الأردني مؤخراً إلى تكثيف تصريحاته حول افتتاح معبر «نصيب» لـ«تسهيل تدفّق القوافل التجارية من الموانئ السورية واللبنانية نحو الأردن»، ومن ثم تمدد الطرق التجارية نحو العراق عبر معبر «طريبيل» الذي تهيمن عليه وعلى امتداداته عصابات متبرعمة من «بلاك ووتر».
في خطوة لافتة أخرى، ذهب رئيس الديوان الهاشمي السابق إلى تزكية مسؤول اقتصادي سوري سابق تم نقله للبنك الدولي مؤخرا، مسندا له مهمة «ترتيب إعادة إعمار سورية والعراق»!.. الأخير الذي انقطع ذكره في زحام الحرب، إنما يثير تذكره الإعجاب بـ«وفاء شجرة العائلة البريطانية»، ويثير أيضا، رغبة تقليب الأطماع التاريخية للأخيرة في المنطقة!.
على صهوة (التزكية)، تتداعى الذاكرة إلى صيف 2009، حينها، ذهب مسؤولنا الاقتصادي إلى التنظير لرؤية مشوبة بالتلفيق الجغرافي عن أهمية ربط موانئ العقبة وبيروت وطرطوس بشبكات السكة الحديد؟!، وإلى تعظيم أهمية الربط الاتصالاتي مع المحطة القارية في جدة عبر الأراضي الأردنية.
يومئذ، بدا أمره أشبه بـ«طبل في حرستا وزمر في منين»، إذ لم تكن الحرب قد أفصحت بعد عن التوق الأنغلوساكسوني في إعادة هندسة خطوط «سايكس بيكو» مواءمة مع تطلعاته للهيمنة على طرق التجارة العالمية.. أما اليوم، بات من الخطأ تجاهل ذلك التخاطر الفكري المتواصل ما بين «شجرة العائلة البريطانية» في رؤيتها للطرق المثلى التي يجب على التجارة والطاقة سلكها.
النظرية الأردنية في «إعادة هندسة الموانئ والمعابر» تزكمها رائحة الفم البريطاني، وهي ترتكز إلى أن «فتح الممرات التجارية بين بغداد ودمشق عبر حدودهما المشتركة قد يمتد إلى طهران شرقا لتمرير الأعتدة العسكرية إلى حزب اللـه غربا»، ما يفترض أن يستتبع القبول بالبر الأردني كـ«سكانر» للحؤول دون ذلك!.
أكذوبة «المعابر المضمونة» هذه، لهي امتداد لأكذوبة «الهلال الشيعي» التي تفتقت عنها الملكية الهاشمية في عام 2004 تمهيدا لانطلاق «حرب الشرق الأوسط الجديد»، وهي تخفي النيات الغربية ذاتها بإزاحة مقاطع طريق الحرير عبر الاستبعاد النهائي لأي تلاق بين الجغرافية السورية.. يتم ذلك اليوم بدعم صمود داعش شرق سورية، ووفق ما ألمح «رئيس الديوان الملكي» ذاك، فسيتم ذلك عبر العمل على إقامة كيان مذهبي جنوب السويداء إن فكّر البلدان بالتلاقي عبر طريق آخر في الجنوب.
طرق التجارة تعشق المسافات القصيرة، ولأنها كذلك، فسيكفل نجاح بريطانيا في تمرير «معابرها المضمونة» عبر «السكانر الأردني»، تحويل الاقتصاد السوري العراقي إلى حديقة خلفية لاقتصاديات المنطقة التي تتم هندستها عبر موانئ حيفا على البحر المتوسط، و«العقبة/ إيلات» على الأحمر، وما بينهما من مشاريع معلنة أو مخفية في صحراء النقب و«قناة البحرين»، إلى جانب جسور «سلمان» فوق جزر «تيران وصنافير».. هذه الخطة الأنغلوساكسونية، هي خطة بديلة لفشل محاولات سلخ قناة برية شرق سورية تضمن لها قطع طريق الحرير، وإطلاق آخر يربط مصانع أوروبا ومدافئها شمالا بنفط وأسواق الخليج جنوبا.
عند هذه النقطة يمكن فهم «تلاقح الأفكار» والتزكيات فيما بين أعضاء «شجرة العائلة البريطانية»، فما لم يؤخذ بالحرب، لربما يفعل في إعادة الإعمار. أما «سوتشي»، برمزيتها كأقرب نقطة في القارة الروسية إلى البرّ السوري، فلها رأيها، وهي قالت بأشد وضوح ممكن: السيطرة الأميركية الداعشية على الحدود السورية العراقية إلى زوال.. ولا أمل في دسّ «سكانرات» بريطانية بين جغرافيتهما، ولا تبدّل في مقاطع طريق الحرير، فسكك الحديد التي ستمتد من الموانئ السورية نحو مناجم الفوسفات قرب العراق، لن تلبث أن تمتد إلى ما بعدها، وما بعده.. قبل أن ترد لها قناطر الطاقة «التحية بأحسن منها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن