عملية كركوك.. مفترق طرق في الشرق الأوسط
| أنس وهيب الكردي
تشكل الأحداث التي شهدتها مدينة كركوك العراقية، مؤخراً، منعطفاً مهماً في المنطقة، وربما تكون نقطة تحول في تاريخها وتوازناتها الإقليمية والدولية، وعلى الأرجح أن يترك ما جرى في المدنية الغنية بالنفط، تداعياته على الوضع في سورية.
ولم تكد العملية التي أطلقها الجيش العراقي وقوات «الحشد الشعبي» أن تبدأ ليل الأحد، حتى تمكنت العناصر المشاركة من السيطرة على المدينة الاستراتيجية في الشمال العراقي.
وسارعت الولايات المتحدة والسعودية إلى ابتلاع مرارة الهزيمة في كركوك على يد حلفاء إيران العراقيين، عبر الانتقال إلى موقع الوسيط بالنسبة للأولى، والمهنئ لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالنسبة للثانية.
ومثلت العملية اختباراً قاسياً لاستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتشددة حيال إيران والتي أعلنها الأخير يوم الجمعة الماضي، بل إنها كانت لطمة قوية أضعفت النفوذ الأميركي بشدة في المنطقة ومثلت انتصاراً لإيران وحلفائها العراقيين.
وعلى الأرجح أن يمتد تأثير عملية كركوك كالدومينو عبر المنطقة ليهز بشدة العلاقة التكتيكية التي نشأت ما بين «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن وميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية.
ومثل تحطم آمال زعيم إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في تحقيق استقلال عن العراق، وعدم مسارعة واشنطن إلى دعم قوات البيشمركة في المعركة من أجل كركوك، درساً بالغ التأثير أمام قادة «حماية الشعب»، فمن نافل القول إن أهمية شمال شرق سورية لا تمثل شيئاً مقارنة بكركوك.
ولا ينسى زعماء الوحدات أن الأميركيين يصرحون ليل نهار بأن علاقتهم بالأكراد مؤقتة هدفها القضاء على تنظيم داعش، ودرس كركوك سيظل ماثلاً أمامهم.
ولم يتمكن الأميركيون من كبح جماح الموقف في العراق حيث لهم تحالف وثيق مع بغداد وأربيل فكيف لهم أن يفعلوا في سورية، حيث تنسق كل من روسيا وإيران من أجل القضاء على داعش والحد من النفوذ الأميركي في شرق سورية حيث تتمدد واشنطن هناك عبر علاقتها مع «حماية الشعب»، بذريعة القضاء على داعش.
وليس أدل على العزلة الأميركية في ملف كركوك من فقدانها الدعم التركي بل إن أنقرة محضت دعمها الكامل للعملية بكركوك، وهو موقف تقاطع مع موقف دمشق أيضاً الذي أعلنت عنه وزارة الخارجية والمغتربين أمس.
وأعلن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين في تصريح نقلته وكالة «سانا» عن ترحيبها بالجهود التي تبذلها حكومة العراق لإعادة السلطة المركزية إلى محافظة كركوك وباقي أنحاء العراق والدور المهم الذي حققه الجيش العراقي والحشد الشعبي والجهات العراقية الأخرى التي قامت بتسهيل التوصل إلى هذا الإنجاز.
وأضاف المصدر: إن سورية تتطلع إلى أن يتراجع الانفصاليون وداعموهم عن مخططاتهم بتجزئة العراق وأن يحافظوا على وحدة أرض وشعب العراق.
وتابع: إن الاستفتاء الذي قام به الانفصاليون في شمال العراق يخدم تنفيذ أجندة «إسرائيل» بالمنطقة ومن شأنه صرف الانتباه عن الجهد الذي تقوم به حكومتا سورية والعراق ضد تنظيم داعش الإرهابي وخاصة إنهاء وجود هذا التنظيم في شرق سورية وغرب العراق في دير الزور والأنبار.
ولفت المصدر إلى أنه انطلاقاً من ذلك فإن سورية تعيد التأكيد على موقفها الداعم للجهود التي يقوم بها العراق الشقيق في مكافحة الإرهاب وبسط سيادة الدولة على جميع أنحاء العراق وتعزيز التعاون بين سورية والعراق في حربهما المشتركة على الإرهاب وتنظيماته الإجرامية.
وطوال السنوات الثلاث الماضية، تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، إلا أنه وصل بعد كركوك إلى مدى لم يبلغه سابقاً، ولم تستطع واشنطن أن تعول على أي حليف في المنطقة لإنقاذ كركوك.
مشهدية كركوك جاءت بعد أيام من استكمال الجيش العربي السوري وحلفائه السيطرة على مدينة الميادين في عروس الفرات. ومن شأن هذه الواقعة أيضاً أن تسفر عن مزيد من تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة، خصوصاً أنه يعني أن مناطق شرق محافظة دير الزور ستقع على الأرجح بيد الجيش العربي السوري وحلفائه.
وفور تحقق هذا السيناريو، سينقطع التواصل ما بين مناطق النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط (الأردن والخليج في شمال العراق وشمال شرق سورية).
مع إسدال الستار على تنظيم داعش، انعكس ما جرى في كركوك بشكل سلبي على قدرة واشنطن على فرض رؤيتها للنظام في المنطقة وتوازناته بعد الحرب على الإرهاب، وهكذا ربما تكون عملية كركوك بداية النهاية لزمن أميركي في الشرق الأوسط، وإن يكن البديل قيد التبلور.