قضايا وآراء

معارضات الخارج فاتها القطار

| سامر ضاحي 

دفع ما تعارف على تسميته «الربيع العربي» بعض الشخصيات الطامحة في المجتمعات العربية سواء التي كانت تعيش داخل دولها أم في الخارج، إلى المسارعة بتشكيل هيئات للمعارضة بغرض التعويم، بعدما منعتها الفرص من تولي مناصب قيادية في أنظمتها السياسية، ولكن بعد مرور قرابة 7 أعوام لم تستطع تلك الشخصيات جني أي من أهدافها إذا ما نظرنا للتشكيلات السياسية القائمة اليوم في مصر وتونس وليبيا، والتي شهدت أحداث «الربيع» المذكور وإنما شهدنا واقعياً إعادة إنتاج للنظام السياسي نفسه في كل من الدول الثلاث.
وفي ضوء القراءة السابقة، عول البعض على المعارضة في سورية، كون الأزمة هنا تحولت إلى العسكرة، فاستنجد المتأملون بأن تكون قوة السلاح معيناً لزملائهم في إنجاز ما فشلوا به في بلدانهم، مع التحول السريع من المظاهرات إلى العنف المترافق بتوريد فروع تنظيمات القاعدة إلى سورية، لكن أولئك الحالمون لم يقرؤوا طبيعة مشهد الأزمة بكل زواياه.
في سورية لم تخرج تشكيلات المعارضة من الداخل، كمفرز من مفرزات ما سمي يوماً «الحراك السوري» أو «الثورة السورية»، إنما شهدنا تنظيم الإخوان المسلمين المرتمي في الحضنين القطري والتركي، يشكل المجالس والهيئات ويبذخ عليها من بيوت مال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحلفائه في قطر وباقي دول الخليج منذ أن ظهرت ما سميت «التنسيقيات» مروراً بـ«المجلس الوطني» ووصولاً إلى «الائتلاف»، وكذلك حرصت قوى مختلفة على دعم تشكيلات معارضة أخرى وصولاً إلى وجود 3 منصات اليوم تجمع بينها عشرات التشكيلات المعارضة هي منصات الرياض وموسكو والقاهرة، إضافة إلى معارضة داخلية لم تسعفها خبرتها ولا دعمها الشعبي اللاواضح بعد، لأن تكون معارضة سياسية حقيقية.
تدرك القوى الدولية ذات الباع السياسي الطويل، هذا الأمر جيداُ، وتعي بأن المعارضات التي تنشأ في الخارج لا تصمد طويلاً في معادلات إدارة البلدان بعد الأزمات، ولكن كانت بعض القوى الغربية مستمتعة باستخدام معارضة الخارج كأدوات مرحلية في تكتيكات الأزمة السورية لتستخدمها كبش فداء عند أي اضطرار لإجراء تحول في موقف الغرب تجاه سورية، وهو السيناريو الذي يبدو أنه يطبخ اليوم على نار هادئة.
ورغم الخلاف الأميركي الروسي، إلا أن سورية لا تزال موضع تنسيق بين الدولتين، ومن ورائهما دعم قوى إقليمية لهذا التنسيق، ولاسيما إيران وتركيا، شريكتي روسيا في الترويكا الثلاثية الراعية لمسار أستانا للحوار السوري السوري، وإن كانت بعض النقاط التفصيلية لا تزال موضع خلاف بينهم، وساهم ذلك بنقل ثقل الإنجاز من محادثات «جنيف» العرجاء إلى «أستانا» الناشطة، بعد مرور 5 أعوام كاملة على جولات «جنيف» من دون أي خروقات تذكر في مقابل إنجازات تتحقق يومياً على الأرض بموجب تفاهمات «أستانا».
الملاحظة الأهم اليوم هي التوافق الأميركي الروسي والأخير بتنسيق مع دمشق، في مسألة «مناطق تخفيف التوتر» والتي لا يزال السؤال عن مستقبلها هاجساً للجميع، ولكن هل يمكن التكهن بإجابة عن هذا السؤال؟
جاءت الإجابة النهائية من دمشق بالتأكيد أن مصير هذه المناطق هو العودة إلى سلطة الدولة السورية عبر المصالحات الوطنية، ولكن كيف يمكن تنفيذ هذا السيناريو؟
إذا ما نظرنا اليوم إلى ما يتم تحضيره في «مناطق تخفيف التوتر» فإن القوى الدولية، تجاه هذه المناطق ومناطق أخرى غير مشمولة بالاتفاقيات، ترعى انتخابات محلية على المستويات الدنيا، يجري من خلالها تشكيل مجالس محلية للبلدات والمدن، يمكن التكهن بأنه سيتم تصفيتها لاحقاً إلى مجلس محلي في كل منطقة من «مناطق تخفيف التوتر» الأربع، ليصار لاحقاً إلى تشكيل 4 مجالس محلية لاستخدامها في أمرين:
أولاً: كعامل ضغط على منصات المعارضة السياسية التي تفشل إلى اليوم في توحيد موقفها أو تشكيل وفد واحد لها يمثل المعارضة في محادثات جنيف بناء على رغبة الجميع وفي مقدمتهم دمشق والمبعوث الأممي ستيفان دي ميتسورا لمفاوضة الحكومة السورية، كون المنصات لا تمثيل لها على الأرض، والتفاوض يكون على تفاصيل عودة المناطق الأربع إلى سلطة الدولة السورية وكيفية وتفاصيل إجراء المصالحة فيها عبر محادثات «جنيف» وهو أمر يصعب تحقيقه وفق الواقع الحالي.
الثاني وهو الأهم: يمكن للمجالس المحلية الأربع أن تكون هي المقابل لوفد الحكومة السورية، وفي هذا تمثيل أكثر جدية لمناطق سيطرة الميليشيات المعارضة مما تشكله منصات المعارضة نفسها، وبذلك تكون المحادثات حول المصالحة الوطنية واقعية أكثر، وسهلة الإنجاز أكثر، مما هي لو كانت في ظل مجلس محلي واحد لجميع المناطق.
في السيناريوهين السابقين، نجاح لموسكو في سحب البساط من مسار «جنيف» إلى مسار «أستانا» مدعومة بأن للمجالس المحلية شعبية ترعاها موسكو وواشنطن، ومن ثم تكون محادثات المصالحة الكبرى في سورية هي المرحلة الانتقالية التي لا يزال يتحدث عنها البعض مع ما يحمله ذلك من أبعاد أكثر للمجموعة المسماة «أصدقاء الشعب السوري» الداعمة لمعارضة الخارج والراغبة أصلاً، على ما يبدو، في التخلص من عبء الأخيرة والالتفات إلى عملية إعادة الإعمار لتحقيق المكاسب.
في المناطق التي يسيطر عليها اليوم مسلحون أكراد لا يبدو السيناريو مختلفاً من حيث المجالس المحلية، لأن دمشق أعلنت استعدادها للتفاوض مع الكرد على شكل من أشكال الإدارة الذاتية.
في جميع الحالات يمكن الاستنتاج اليوم بأن معارضات الخارج فاتها القطار السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن