مصر بين فتور العلاقة مع السعودية واحتمالات الانفتاح على إيران
القاهرة – فارس رياض الجيرودي :
يطفو على السطح في القاهرة مجدداً الحديث عن إمكانيات عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران واحتمالات إنهاء القطيعة معها، والبدء بعهد جديد من الانفتاح السياسي والاقتصادي عليها، حيث كشف المفكر المصري الكبير محمد حسنين هيكل في حديث صحفي مؤخراً عن معركة تدور رحاها في القاهرة بين مؤيدي الانفتاح على إيران ومعارضيه، وأشار هيكل إلى أن الرئيس السيسي يستمع باهتمام لكل الآراء، ورغم أن الجدال المصري بخصوص الملف الإيراني اكتسب زخماً جديداً بسبب عودة إيران إلى المجتمع الدولي من الباب العريض عقب الاعتراف الدولي الذي حصلت عليه عبر اتفاقها مع الدول العظمى في العالم بشأن برنامجها النووي، إلا أن الكلام عن إنهاء زمن الجفاء مع طهران ليس جديداً على الساحة المصرية.
إيران من جهتها اتخذت عدة خطوات للانفتاح على مصر منذ ما قبل «ثورة 25 يناير» وما بعدها، وتمثلت أهم تلك الخطوات بتوقيع بروتوكول يتيح استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وطهران في عهد الرئيس المخلوع مبارك عام 2010، وذلك على الرغم من استمرار تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتقدمت إيران في عهد الرئيس الإخواني مرسي بعدة عروض اقتصادية للاستثمار في مصر لكنها قوبلت برد فاتر، وفُسّر سر الفتور المصري اتجاه طهران بوجود فيتو سعودي على العلاقة المصرية الإيرانية وبرغبة، الرئيس المخلوع مرسي في عدم استفزاز السعودية، وهكذا ارتبط الحديث عن عودة العلاقات المصرية مع طهران بالفتور أو الحرارة التي تشهدها علاقات مصر مع السعودية، فسجل تلويح مصري باستئناف العلاقة مع طهران مباشرة عقب الكلمة الشهيرة التي وجهها وزير الخارجية السعودي الأسبق سعود الفيصل خلال القمة العربية الأخيرة في القاهرة كرد على رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة العربية، حيث انتقد الفيصل بوتين بشدة واتهمه بالمسؤولية عن الأزمة السورية، وعدّ الجانب المصري يومها كلمة الفيصل استفزازاً واستخفافاً بمصر التي تعول بشدة على علاقتها الجديدة مع روسيا، ولم تمر ساعات حتى شرع مذيعان في قناة خاصة محسوبة على القيادة المصرية ينتقدان السعودية وعاصفة الحزم، بل السخرية من الهيئات الدينية السعودية واتهامها بأنها جزء من مشكلة التطرف المنتشرة في السعودية.
وقد لوحظ في مساء اليوم نفسه الذي شهد خطاب الفيصل أن فضائية ON TV أون تي في، التي يملكها رجل الأعمال نجيب ساويرس، أطلقت العنان لاثنين من مذيعيها، لتوجيه نقد حاد لرد سعود الفيصل على كلمة بوتين، لانتقاد الحرب السعودية على اليمن (رغم أن مصر تشارك فيها رمزياً).
حيث حمل إبراهيم عيسى في برنامج «25/30»، السعودية المسؤولية الأولى عن الإرهاب والعنف بالمنطقة والمسؤولية عن قتل السوريين، وأوضح أن الحوثيين جزء لا يتجزأ تاريخياً من الشعب اليمني فهم ليسوا جماعات إرهابية، وتهكم «عيسى» على دعوة البيان الختامي للقمة العربية للمؤسسات الدينية الرسمية لمواجهة الإرهاب والتطرف، حيث تساءل: «هل معنى ذلك أن المؤسسة الدينية بالسعودية وفتاوى ابن باز التي تمنع قيادة المرأة هي من ستقوم بذلك»؟ وقال عيسى: «إن الفكر الوهابي السعودي هو من يحض على الإرهاب والتطرف».
أما يوسف الحسيني فقد لوح في برنامج «السادة المحترمون» بعودة العلاقات المصرية الإيرانية كرد على انفتاح السعودية على تركيا، ورأى أن على الرأي العام المصري أن يتهيأ لعودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كما سخر الحسيني من خطر التشيع الذي تروج له السعودية ومن عاصفة الحزم التي وصفها بالفقاقيع.
لكن الهجوم الأبرز على السعودية و«عاصفة الحزم»، جاء من الكاتب الناصري والمحلل السياسي أحمد عز الدين، الذي يكتب في صحيفة «الأسبوع» المملوكة للكاتب مصطفى بكري المقرب من المجلس العسكري، فعلى قناة «القاهرة والناس» برزت مقابلة مع المحلل السياسي أحد عز الدين، اتهم السعودية فيها بضرب السجون ومعسكرات الأمن المركزي والطيران اليمني تسهيلاً لنشر الفوضى.
ورفض عز الدين ما يتردد بأن الحرب هي على إيران، وسخر من وضع أناشيد لعملية «عاصفة الحزم» وأضاف: «إذا كان الهدف من الحرب هو تغيير الطبيعة السكانية والمذهبية أو إفناء فصيل يمثل 35% من الشعب اليمني فهي حرب مستحيلة»، في إشارة للحوثيين.
وأشار إلى أن مصر شاركت في «عاصفة الحزم» بهدف عقلنة السعودية وعدم إطلاق العنان لها؛ لأن الطريقة التي يعامل بها اليمن مذلة، ولا يمكن التعامل مع هذا الشعب بهذه الطريقة، وزعم أن اللجان الشعبية التابعة لـ«هادي» ما هي إلا «عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي».
واللافت في كلام عز الدين أنه جاء في مقابلة على قناة «القاهرة والناس» الخاصة التي يمتلكها رجل الأعمال وملك الإعلانات في مصر طارق نور المقرب من القيادة المصرية.
ويعود الامتعاض المصري من السعودية لجملة من الأسباب كما يقول محللون مصريون، أهمها انفتاح الملك الجديد على كل من قطر وتركيا وعلى أجنحة الأخوان المسلمين في اليمن وفلسطين، إضافة إلى دعمه المسبق والمعلن لجناح الإخوان المسلمين في سورية، وأيضاً للفتور الذي قابلت فيه السعودية الدعوة المصرية لتشكيل حلف لمحاربة الإرهاب في ليبيا البلد الذي تعتبر مصر أزمته الخطر الأكبر على أمنها، لكن الاستثمارات الاقتصادية السعودية في مصر والودائع المصرفية الخليجية ساهمت في تسكين حدة الخلافات، فهل سيشكل حدث الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني فرصة لمصر لتنفتح على إيران التي ستتمتع قريباً ونتيجة لرفع العقوبات الاقتصادية عنها بسيولة مالية وقدرات استثمارية وفيرة؟