رهانات سورية
| مازن بلال
بانتظار انعقاد جنيف بجولته الجديدة فإن الخيارات السورية تأخذ سياقاً مختلفاً كلياً، ويبدو من الصعب في ظل معطيات الأزمة السورية الحالية استرجاع ما قدمه أول مؤتمر لجنيف؛ فاستخدام مخرجاته اليوم هو فقط لتأكيد الحل السياسي والتذكير بالمرجعيات الدولية، وسياق الحل السياسي مازال قائما لكنه لم يعد يستند إلى العوامل نفسها التي ظهرت في «جنيف1».
بالتأكيد سيبقى الكم الكبير من القرارات الدولية جزءاً من التفكير بشكل سورية، أو حتى بطبيعة العلاقات السياسية التي تحكمها داخليا وخارجيا، ولكن في الوقت ذاته فإن الحل السياسي أصبح محكوماً بأمرين:
– الأول طبيعة التحولات داخل سورية التي أنتجت قوى جديدة، مختلفة كليا عن جميع المجموعات التي ظهرت عبرها الأزمة السورية، فالسنوات الماضية من عمر الأزمة كانت كفيلة بإحداث تحولات عميقة، أنتجت العامل الكردي على سبيل المثال.
بالنسبة للداخل السوري لم يكن هناك قوى صاعدة بشكل كلاسيكي، والأحزاب التي ظهرت أو التيارات والتجمعات هي وتأثيراتها أضعف من التأثير العميق في آفاق الخروج من الأزمة، في حين تتغير القوى الاجتماعية بشكل غير متوقع، فبعيداً عن الأجيال الشابة التي انخرطت في الصراع فإن تفكير الأجيال الجديدة بنفسها وبالسياسة أصبح يعتمد على معطيات لا علاقة لها بالأحزاب إنما بالنشاط الاجتماعي المختلف؛ ما يجعلها تتعامل مع شكل من العلاقات خارج المنظومة السياسية التقليدية.
– الثاني تغير تأثير العوامل الإقليمية بشكل جذري، فرغم أن الدول الإقليمية التي تدخلت بالأزمة السورية لم تتبدل لكن مقارباتها تغيرت جذريا، فهي انتقلت من موقع أحداث تحول قسري في البنية السورية إلى محاولة محاصرة النتائج الحاصلة في سورية.
في المقابل فإن دولاً مثل السعودية وتركيا وقطر تحولت رهانتها من تغيير الوضع السياسي السوري إلى إيجاد توازن داخل سورية يأخذ بالحسبان بقاء الرموز السياسية الأساسية السابقة لاندلاع الأزمة، فهي عملياً لم تعد معنية بصياغة واقع سوري مختلف، بل تريد الحفاظ على توازن المنطقة بشكل يمنع الاضطراب داخل دولها.
عمليا تغيرت الرهانات الإقليمية والدولية بشأن سورية عموما، ورغم عدم القدرة على أحداث تحول داخل القرارات الدولية، إلا أن البحث عن آليات لتطبيق القرارات الدولية تحول بشكل كلي، فنحن أمام مشهد يريد من سورية تقديم نموذج توافقات غير مسبوقة في التاريخ السياسي المعاصر، فما تحاول موسكو العمل عليه هو خلق محور شرق أوسطي على سبيل المثال، يمكن أن يستوعب تداعيات ما يحدث في سورية، وفي الوقت ذاته يخلق منظومة أمنية لمحاربة الإرهاب، أما على المقلب الأوروبي فهناك نموذج مختلف يحاول إيجاد تأثير عميق داخل المجتمع السوري من خلال منظمات المجتمع المدني التي تحاول خلق منظومة عمل سورية تحل محل المؤسسات السياسية التقليدية.
الرهانات السياسية الصعبة لسورية لم تعد تقف عند حدود الصباغين الدولي والإقليمي، بل تحولت بشكل مختلف إلى رسم ملامح لتغيير القوى الأساسية الفاعلة أو على الأقل تغير طبيعة تأثير القوى الحالية، وهذا الأمر سيؤثر بقوة في مسار الحل السياسي، فحزم المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا سيصبح لها سياق جديد يرتسم فقط عبر تحسين شروط الحل السياسي وإتاحة المجال لتبديل التمثيل السياسي للمعارضة، بالمرحلة الحالية هو زمن طرح الحلول التي تمنع التصادم لإنتاج شروط جديدة للمنطقة ككل وسورية بوجه خاص.