العقرب يلدغ في تركيا.. فمن التالي!!
د. بسام أبو عبد الله :
حدث ما هو متوقع في تركيا، إذ أبرزت وكالة (رويترز) للأنباء تحليلاً إخبارياً أشارت فيه إلى أن تحذيرات الرئيس الأسد لتركيا بدأت تتحول إلى حقيقة، وأنه حذر منذ عام 2011 من مخاطر دعم الإرهاب وارتداداته على داعميه، وأن هذا الأمر سيحرقهم، وأشارت الوكالة البريطانية إلى أن تركيا في حالة خراب، وصورتها أصبحت مشوهة كدولة ديمقراطية، وقوة إقليمية في (ناتو) مرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي.
لو عدنا إلى كل مقابلات الرئيس الأسد الصحفية، وخطاباته منذ بدء العدوان على سورية لوجدنا أنها لا تخلو من التحذير الذي أشارت إليه (رويترز)، لا بل إنه شَبَّهَ في إحدى مقابلاته (الإرهاب) بالعقرب الذي سيلدغ داعميه، ومشغليه، وها هو يلدغ في تركيا حيث الداعم الرئيسي له طوال سنوات الحرب على سورية، وحيث المستفيد الأكبر من التجارة، والتهريب والسلب، والنهب الذي مارسه (داعش)، ولا ننسى أخوات (داعش) مما يسمى (جبهة النصرة) و(أحرار الشام) وغيرها من تسميات النفاق والدجل التي تستخدم الدين ستاراً لجرائمها، كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها..
كان الرئيس الأسد يحذر الحمقى في تركيا، والخليج، وهم يردون بتصريحات فارغة، متكبرة، متعجرفة عن أيامه «المعدودة»، وقرب سقوط الدولة السورية وحريات الشعوب، وديمقراطيتها، وحقوق المسلمين.. في خطاب يدعوك للتقيؤ، ويعطيك مؤشرات إلى جنون العظمة لدى هؤلاء، وعلى هستيريا ناجمة عن صمود الرئيس السوري، وشعب سورية، وجيشها.
الآن- يقع انفجار انتحاري في مدينة (سوروتش) على الحدود التركية- السورية فيقتل 32 شاباً، ويجرح مئة آخرين، وفوراً يعلن أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء المنتهية ولايته أن (داعش) يقف خلف هذا العمل، وأن التنظيم يُشكل تهديداً لوحدة تركيا، مطالباً أحزاب المعارضة ببيان مشترك لإدانة كل أنواع الإرهاب، دون أن يرف له جفن- أو يعود قليلاً للوراء ليتذكر أنه هو الذي اعتبر شاحنات الأسلحة التي ضبطت متجهة إلى سورية لتُسلم لداعش، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، على أنها (مساعدات إنسانية)، ودعمه بذلك أردوغان، وعبد الله غُل..
أحمد داود أوغلو نفسه الذي قال في آب الماضي عندما كان وزيراً للخارجية إن مقاتلي داعش يتشكلون نتيجة ما سماه (إقصاء السُنة) في المجتمع، ورفض آنذاك تسمية هذا التنظيم بـ(المنظمة الإرهابية)، وجاءت التحقيقات التي أجراها النائب العام (أوزجان شيشمان) وهو أحد المدعين العامين الأربعة الذين سجنوا في أيار الماضي لتؤكد أن الشاحنات المرسلة إلى سورية كانت محملة بالأسلحة، وأن من كان يحميها، ويرافقها مسؤولون أتراك، وعناصر استخبارات تركية بأمر من الحكومة التركية.
النائب العام الذي اعتقل بتهمة تشكيل منظمة إرهابية ضد الحكومة اعتبر في شهادته أمام المحكمة أن أي تساهل في نقل أسلحة لمتطرفين في سورية سينتج عنه موت المئات من الشعب التركي، وأوضح أن انفجار الريحانية الذي وقع في 11 أيار 2013 من خلال تفجير سيارتين وأدى إلى مقتل 52 شخصاً، وجرح 140 آخرين قد تم بإشراف المخابرات التركية من خلال العلاقة مع مجموعة إجرامية كانت تنقل السلاح والإرهابيين إلى سورية..
حسب ورقة بحثية بعنوان (صلات داعش مع تركيا) أعدها الباحث ديفيد فيليبس من جامعة (كولومبيا) الأميركية أكد فيها أن الوثائق كشفت (أن السعودي بندر بن سلطان مَوَّلَ نقل السلاح لداعش عبر تركيا)، وفي تصريح لأحد قادة داعش لصحيفة واشنطن بوست في 12/8/2014 قال للصحيفة: (إن أغلبية المقاتلين الذين انضموا في بداية الحرب أتوا عبر تركيا، وكذلك الدعم اللوجستي، والأسلحة)..
إذاً لسنا هنا بصدد تقديم الأدلة حول تورط الحكومة التركية في دعم (داعش)، وغيرها من التنظيمات التكفيرية، فهذه الأدلة اصبحت موثقة في القضاء التركي، وأكثر من أن تحصى، ولكن الأخطر هو البيئة، والخطاب الذي يولد داعشيين جدداً- أي الإيديولوجيا، والتحريض، ولغة الكراهية وهو الجانب الذي بَرع فيه حزب العدالة والتنمية طوال سنوات، ما يجعل الأمور أخطر مما يعتقده البعض، وخاصة حكومة الإخوان في تركيا، وهنا يشير الصحفي التركي (بوراك بيكديل) إلى هذا الجانب بالقول: إن استطلاع رأي عام أجراه مركز (ميتروبول) أظهر أن 11.3% من الأتراك لا يرون في داعش منظمة إرهابية.. لكن في بلد فيه 78 مليون نسمة، فإن هذا يعني أن 9 ملايين إنسان تقريباً يتعاطفون مع داعش، ويرغبون بالعيش في ظل شريعة القتل، والإجرام، وإذا افترضنا أن 1% فقط من هؤلاء المتعاطفين مع داعش من الأتراك قرروا الانضمام (لجهادهم المزعوم) فهذا يعني أن هناك 90 ألف جندي لداعش داخل تركيا..
يخلص الصحفي التركي للقول إنه لا حاجة هنا لمنطقة عازلة مع سورية، لأن هناك ملايين الدواعش الذين ينتظرون اللحظة ليتحولوا إلى انتحاريين حسب المفهوم الداعشي..
واضح أن نظام أردوغان يكابر في الاعتراف بخطر داعش، وبالنتائج الكارثية لسياسته الخارجية، ويحاول التهرب مع داود أوغلو من الأسئلة الصعبة التي طرحها النائب (نظمي غور) من حزب الشعوب الديمقراطي في 20/2/2015.
حيث طالب فيها بالبحث، والتقصي حول نشاطات داعش في تركيا لفهم ديناميكيات المشكلة، ومخاطرها، وكيفية العلاج، وهو الاقتراح الذي أسقطه نواب حزب العدالة والتنمية في 21/2/2015 بأغلبية الأصوات.
مقالات كل الصحافيين الأتراك تُركز على «داعش» ومخاطرها، وتنتقد السياسة الخارجية التركية «المخزية» حسب تعبير زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، ولكن السؤال يبقى: هل مواجهة داعش ممكنة في ظل الإنكار والحديث عن إرهاب «داعش» الوحشي، وإرهاب «النصرة» الناعم مثلاً!!
أعتقد أن تحليل الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع قناة الميادين كانت الأكثر وضوحاً فيما يتعلق بخلفيات سياسة أردوغان، قال الأسد آنذاك: «أردوغان ينتمي للإخوان المسلمين بشكل عقائدي، وعميق، وهو لا يُخفي هذا الشيء، ولم يُخفه في السابق…. لم يقل إنه منظم، ولكن اهتمامه بالإخوان المسلمين كان أكثر من اهتمامه بالعلاقات السورية- التركية…. وهو يضع هذه الجماعة التي ينتمي إليها بفكره قبل الشعب نفسه.. أي قبل الشعب التركي، والدليل أن أردوغان لم يتراجع عن مواقفه بالرغم من الأضرار التي لحقت بتركيا مادياً، ومعنوياً، وهو لم يفكر، ولو للحظة بمصلحة تركيا كلها…».
تعيش تركيا مخاطر حقيقية سوف تدفع ثمنها نتيجة السياسات التي شرحناها أعلاه، وأعتقد أن لا مخرج لها إلا عبر طرق أبواب الرئيس الأسد في دمشق، وهو الأمر الذي يُفسر مبادرة الرئيس بوتين حول «تحالف الضرورة» لمواجهة «داعش»… فالقادم أعظم في ضوء وجود ملايين الدواعش في تركيا، وبروز مخاطر انفصالية حقيقية… لكن السؤال الأكبر: ماذا عن ملايين الدواعش الذين تنتجهم المفرخة الوهابية يومياً في نجد والحجاز، والخليج… هنا الطامة الكبرى التي تجعل كل هؤلاء يطرقون أبواب دمشق، إن لم يكونوا قد طرقوها..
أعان الله الرئيس الأسد في المرحلة القادمة على كثرة زواره ومواعيده، فالتائبون سوف يعودون إلى الطريق المستقيم.