من دفتر الوطن

اليوم أحلى!

| عصام داري 

يهمس الصباح في أذني بكلمات مبهمة، تصلني ترجمتها الفورية، هي بوح خافت يعلن: اليوم أحلى، ربما لأسباب غامضة، أو لسماع أخبار مشجعة، أو للطقس اللطيف الذي أنعش المستيقظين باكراً، مع انفصال الخيط الأبيض عن شقيقه الأسود.
اليوم أحلى لمن يقول إننا صرنا في اليوم الذي قالوا لنا أمس إنه سيكون أحلى، اليوم أحلى، على الأقل لأن الطقس أجمل، وأننا على قيد الحياة، وغداً سيكون أحلى، وانتظروا البشائر.
كعادتي دائماً، أبدأ يومي بابتسامة، هكذا دونما سبب، ربما لأنني أتوقع يوماً يحمل بعض الفرح، أو ربما لأني أتمنى التغلب على كل ما يسبب الإزعاج والغضب، وما أكثر المنغصات والهموم والمشاكل التي تحيط بنا وتحملها لنا الأخبار على مدار الساعة.
أعرف مسبقاً أن الهموم اليومية ستسرق ابتساماتي بعد ساعة أو أكثر أو أقل، وأن دوامة الحياة ستخطفني وتطحنني، فأغرق في حوارات معظمها يشبه حوار الطرشان.. مع ذلك أن أبدأ بابتسامة خير من التجهم والتفكير المتعب بما سيواجهني في هذا اليوم من صعوبات وإشكالات ومتاعب ليس لها آخر، ألم يبشروني بأن الغد أحلى؟
أبحث عن دقائق من الفرح الهاربة من فك الأحزان، وأتمنى ألا تضيع فرص جديدة، فقد أضعنا مئات الفرص، وفي الزمن الأغبر تصبح لحظة فرح واحدة بحجم سنوات، وتتحول ابتسامة صبية إلى مهرجان بهجة وطوفان أزاهير وشلالات عطر، فالفرح الذي نبنيه حجراً فوق حجر، ونزرعه وروداً في حدائق الحياة، يعادل عمراً كاملاً.
نبدأ يوماً جديداً بابتسامة فرح وتفاؤل وانتظار الغيث وكلمات عابرة للمسافات والمشاعر، على أمل رؤية الأحلى والأجمل والأرق، وننتظر إشراقات ترسم بأشعتها ملامح لوحة بديعة تدخل الفرح المفقود للروح والنفس معاً.. لن يطول الانتظار، ولولا التفاؤل والأمل لفقدت الحياة مسوغها.
كل صباح يأتي ليبلغنا بأننا مازلنا على قيد الحياة، وسجلات الأمل، فالصباح يهدينا ابتسامات عبر المسافات، وكلمات تترك في النفس ألحاناً وأشعاراً وحكايات حب لا تنتهي، وحياة بلا حب هي دمية بارعة الجمال، ولكنها من خشب.
نعيش في هذه الدنيا يوماً بيوم، ننتظر الغد علّه يحمل الجديد، نسير على وقع دقات قلوبنا، ونستعيد ذكريات مضت ولن تعود، ما دمنا غير قادرين على صنع فرح جديد، فنغرق في فرح كان، نكتفي بابتسامة هذا الفرح العتيق، ونطوي دفتر ذكرياتنا، لنعود في الغد لنفتحه، بانتظار فرحة مستعادة من الخيال، وعلى أمل يتجدد بأن الغد أحلى.
نبحث عن فسحة سماوية نقية نعيش فيها الحلم والأمل بحياة أفضل، ونعرف أن معظم الدروب نحو هذه الفسحة مغلقة ومزروعة بالألغام والعقبات والحواجز، لكننا مصممون على إيجاد الثغرات في الدروب المغلقة لبلوغ جنة صغيرة موجودة على كوكبنا ولم نلمحها بعد.
وبانتظار الآتي، والغد الأحلى والأجمل والأفضل، تنمو بذور الحب في القلوب، وتفتح أزاهير المحبة، ونترقب بفرح غامر، كما الفينيقيون، هدد إله البرق والرعد لنرحب بموسم المطر والخير والحب، ونفرش لفصل الشتاء سجادة الأرض ليسقيها المطر بعد فصول عطش وجفاف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن