الفصل الأخير من المواجهة
| عمار عبد الغني
لا يمكن الفصل بين العدوان الإسرائيلي الأخير على ريف القنيطرة وتصريحات وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ببقاء القوات الأميركية على الأراضي السورية بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك دخول القوات التركية الغازية إلى الشمال السوري بذريعة حماية الحدود وتطبيق اتفاقات «أستانا»، فما يمكن قوله، أن محور المهزومين في الحرب يحاول الحصول على مكاسب سياسية عجز عن تحقيقها خلال سنوات الحرب، بعبارة أوضح، بعد اندحار المحارب الوكيل المتمثل بالتنظيمات الإرهابية، يعمل الأصيل المتمثل بأميركا وأدواتها في المنطقة على أخذ زمام المبادرة، مستغلاً حال عدم الاستقرار ليقول: «إنني ما زلت موجوداً وبوسعي أن أنسف كل الجهود الرامية لإيجاد حل للأزمة والعودة إلى المربع الأول في حال تم استبعادي من طاولة المحادثات».
لذلك تزايدت الاعتداءات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة على الأراضي السورية، وأميركا خفضت ضرباتها عن طريق تحالفها تجاه معاقل الإرهابيين بل إنها سمحت لهم بالتحرك من أمام عيونها في منطقة التنف الحدودية دون تحريك ساكن، على حين تفسر أنقرة اتفاقات «أستانا» وفق ما يحلو لها وتؤمن طموحاتها القديمة الجديدة بقضم جزء من الأراضي السورية لإيهام العالم بأنها لا تزال قوية وأنها خرجت منتصرة من الحرب بالحصول على جزء من الكعكة السورية، في وقت تسلل فيه وزير سعودي إلى مدينة الرقة وأبدى استعداد بلاده لإعادة إعمار المدينة التي حولها طيران «التحالف» إلى مدينة أشباح وسلمها إلى الميليشيات الكردية الموالية له.
في قراءة سريعة لمجمل ما تقدم، فإن ما يحدث هو توزيع للأدوار بين محور الحرب على سورية، ويرمي إلى تحقيق جملة أهداف يأتي في مقدمتها اقتطاع قطعة من الأراضي السورية تمتد من الرقة إلى إدلب وصولاً إلى الحدود التركية لتكون هذه المنطقة انطلاقاً لتنفيذ مرحلة جديدة من المخطط الأميركي الإسرائيلي، إضافة للعربي المتمثل بدول الخليج، ويأتي في مقدمة أهدافها وضع اللبنة الأولى في ملف تقسيم سورية من جهة، ووضع عثرة في طريق محور المقاومة الممتد من طهران إلى لبنان مروراً بسورية والعراق من جهة ثانية، وذلك من خلال استمرار بث الروح في التنظيمات الإرهابية عبر استمرار تقديم الدعم لها عن طريق الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع للجيش العربي السوري، واستغلال بعض النقاط التي لم تفسر في محادثات أستانا وجنيف، لإضفاء مشروعية على تدخلات واشنطن وأنقرة، فيكون تدخلهما وفق ما تقدم، تحت «لافتة» محاربة الإرهاب وإنجاز اتفاقات «مناطق تخفيف التوتر» وكذلك المساهمة في إعادة الإعمار لمتابعة المشروع الأميركي بتقسيم المنطقة وتفتيتها على أسس «طائفية ومذهبية» من خلال توسيع دائرة الاشتباك لتصل إلى شرق آسيا، في محاولة لعدم إعطاء للدول الصاعدة الممثلة بروسيا والصين أخذ دور أكبر في القرار العالمي.
وعلى الرغم من هذا، فإن ذلك ليس بخاف على الدولة السورية وحلفائها وقد وعووا مبكراً المخطط المرسوم، حيث طالبت سورية عن طريق بعثاتها في المنظمات الدولية بحل «تحالف واشنطن» الذي يقتل ويدمر في سورية أكثر مما تقوم به التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، كما اعتبرت التدخل التركي في هذا البلد تحت أي عنوان «عدواناً من حقها مقاومته»، على حين يقوم الأصدقاء في روسيا بفضح حقيقة ما تقوم به واشنطن لجهة تقديم الدلائل التي تؤكد التعاون والتنسيق مع داعش.
باختصار، نحن أمام فصل أخير من المواجهة بعد أن تجاوزنا المرحلة الأصعب منها، حيث لا يزال البعض يلعب بما تبقى له من أوراق لعدم الخروج من الحرب بهزيمة علنية يمكن أن تؤدي إلى إنهاء دوره أو على الأقل خسارته جزءاً من مصالحه، وهذا يتطلب من سورية وحلفائها مزيداً من الحذر والتمسك بما حققه الجيش العربي السوري في ميدان القتال من انتصارات لصرفه في السياسة وأقله إنهاء الأحادية القطبية والانتقال نحو عالم خال من الهيمنة الأميركية.