ثقافة وفن

«المنتحر» يقول ما لا نستطيع … سمير الباش لـ«الوطن»: أحببت أن أعرّف المشاهد على نص مسرحي خاص

| سوسن صيداوي

«في هذه الأيام يقول الميت ما يعجز عن قوله الحي». بالفعل ضغوطات الحياة ومشاكل الدنيا والظروف السياسية والتاريخية، كلّها تجتمع كي تخلق حالة في الإنسان أينما كان في أي زمان وفي أي مكان، وأيضاً أمر طبيعي أن يتحمّل وزر نتائجها من حروب، وبالمقابل أن يفتعل ويفكر ويشعر كنتاج عنها. إذاً فعل مصائب الأزمات واحد، ومستقبل ردّ فعلها كذلك أمر واحد واقع على الإنسان.

واليوم الجملة التي بدأنا المقدمة فيها والتي تقولها شخصية أريستارخ دومينيكوفيتش جراند-سكوبيك هي من نص مسرحية «المنتحر» للكاتب نيكولاي إيردمان، الذي توفي قبل أن يشاهد نصه منفذاً وحياً على خشبة المسرح. وفي هذه الفترة شهدت مسرحية «المنتحر» عروضها على مسرح الحمراء بدمشق، حيث اكتظت الصالة بجمهور جاء ليرى أمرا مختلفا من حيث النص الذي اختاره مخرج المسرحية الدكتور سمير عثمان الباش، قاصدا ما فيه من إسقاطات وقرب يلامس الواقع السوري الذي نعيشه، وكي يكون مفتاحا لبوابة وراءها طريق مفتوح لضرورة الحوار والوصول دائماً لصيغة من التفاهم، مع قبول كل الأفكار الجديدة حول أمور هي من جوهريات الحياة كالفن والحب والدين والسياسة. والمسرحية مختلفة من حيث النوعية، لأن من قام بالتمثيل أربعة عشر ممثلاً خريجاً في مدرسة الفن المسرحي وهم:عبد اللـه وفائي، تاتيانا أبو عسلي، يزن دخل الله، شادي درويش، لميس محمد، كرم حنون، غيث الأدهمي، ياسمين الجباوي، يزن مرتجى، ليث المغربي، باسل دعبول، منيار الحيناني، فايز أبو شكر، وخالد حمزة. وقفوا لأول مرة وقفة حقيقة على خشبة مسرح يدفعهم للاحتراف، قبالة جمهور رحب بهم وباندفاعهم وقدرتهم على إثبات النفس بعد تدريبات على نص تمّ اجتزاؤه- لضخامته- وتحليله خلال ثمانية أشهر. تجدر الإشارة إلى أن العرض استمر يوميا ولمدة ساعتين ونصف الساعة من يوم21و لغاية 26تشرين الأول.

النص خاص وكرنفال للأفكار
تحدث مخرج المسرحية الدكتور سمير عثمان الباش عن نص المسرحية وسبب اختياره هو بالذات، مؤكداً موهبة الممثلين الشباب وأنهم تقدموا اليوم من خلال هذا العرض للجمهور منطلقين نحو الاحتراف، قائلاً «اخترت هذا النص على التحديد للكاتب نيكولاي إيردمان، لأنه بقي ممنوعا لمدة خمسين سنة من العرض، كما توفي الكاتب عام 1970 ولم يحضره منفذا على خشبة المسرح، وللأسف بعد وفاته وفي الثمانينيات بدؤوا يعرضونه، وبالنسبة لي أنا أحببت أن أعرّف المشاهد العربي على نص كهذا، فهو خاص جدا، وباختصار يمكن القول إنه كرنفال للأفكار. قصة المسرحية بسيطة، وهي أن رجلاً ينتحر من أجل قطعة سجق، ولكن ما تخفيه القصة أكبر بكثير من ذلك، فالعمل يطرح أسئلة لها علاقة بكل الأفكار والأيديولوجيات التي امتدت في بداية القرن العشرين، وهي أفكار ظهرت نتيجة ضغوط متعددة، وفي وقتها بدأ الشعب يعيش حياة جديدة بظل النظام الشيوعي، وكنتيجة للظروف تختلف الأمور على الإنسان، لهذا جاء التعبير في المسرحية عن الحالة، بأن يكون الديكور محصوراً، والممثلون يجلسون بما يشبه الصناديق، وهم خائفون من الخروج ويخشونه على الرغم من أن المكان مفتوح لهم. هذا الواقع هو مشابه لما عشناه في سورية في أيام الأزمة، فسورية كبيرة جدا، ولكننا نعيش محصورين في بيوتنا. إذاً المسرحية تلامس الواقع السوري بشكل كبير، فالأفكار تظهر وتتصارع في الأزمات، لهذا السبب اليوم نحن بحاجة لإعادة النظر بكل الأفكار، سواء فيما يتعلق بالدين، أم بمن سيقود المجتمع، وحتى علينا إعادة النظر في الفن أو الحب. العرض باختصار هو ضد المنولوجيا ومع الأيديولوجيا، فشخصية الإنسان متنوعة ومن الصعب أن نقولبه بقالب واحد، وهذا الأمر الذي اكتشفه الشعب السوري بضرورة الحوار والتعددية، وبأنه علينا جميعاً أن نعيش مع بعضنا مهما كانت الفوارق والاختلافات. وبالنسبة للممثلين الشباب هم من خريجي مدرسة الفن المسرحي، وطبعا لم يكن لديهم أي معرفة عن الفن المسرحي، وخلال سنتين من التدريبات والتجارب المختلفة، صُقلت موهبتهم، وفي هذا العرض تقدموا للجمهور بعد ثمانية أشهر من التدريب في تجربة حقيقية، وبالطبع هم أربعة عشر ممثلا منهم من قدم عدة شخصيات في العرض، ومنهم شباب قدموا شخصية نسائية والسبب في ذلك أن داخل جميع الشخصيات تناقض، ففي المسرحية هناك شخصية تدعي الرومانسية وفي الواقع هي على العكس تماما، وكذلك شخصية الكاهن فهو في المسرحية ليس بمؤمن حتى بنفسه. إذاً لا يوجد شخصية على الإطلاق مؤمنة بما تفعل، ومقتل الشخصية هو داخلها، لذلك الشخصية التي تدعي الرومانسية أخذ دورها رجل وهكذا».
بين فنيين وفنانين

بدوره شرح لنا مساعد المخرج خوشناف ظاظا عن بعض ظروف العرض قائلاً: «تم اختيار هذا النص من المخرج الدكتور سمير، وهو جدّ جميل وخاصة في هذه الظروف، لأنه ملامس للشعب السوري حتى لو أن ظروفه وقعت في الاتحاد السوفييتي. في البداية تمت التدريبات في المدرسة، ولكن البروفات النهائية كانت قبل عشرين يوماً من العرض في مسرح الحمراء، وبصفتي مساعد مخرج، وظيفتي هي التنسيق مع الفنانين والمخرج، ومع الفنيين من إضاءة وديكور، الأخير الذي تحمّل الكثير من الاقتراحات سواء من المخرج أم من المصممين».

الشخصية جدّ أنانية
من جانبه ألقى الممثل شادي درويش الضوء على دوره في شخصية «آلكسندر بيتروفيتش متحدثا أمثل دور رجل مستقل، ومصلحته فوق الجميع، وهو من الأشخاص الذين يحوّلون كل الظروف المحيطة بهم كي يستفيدوا منها وتكون لفائدتهم، وعنده درجة كبيرة من الأنانية، وبالنسبة للتدريبات استمرت لحوالى سنتين في مدرسة الفن المسرحي، ونحن اشتغلنا على هذا العمل وتعبنا كثيرا، ولكن هذا الجهد والتعب كان جميلا، ونطمح أن نكون عند حسن ظن الجمهور».
«المنتحر» تجربة كبيرة

تحدثت الممثلة تاتيانا أبو عسلي عن شخصيتها في المسرحية «ماريا لوكيانوفيا»، وهي زوجة المنتحر، البسيطة والعاملة والفقيرة التي تعاني اكتئاباً، والمضطرة كي تعمل لأن زوجها عاطل من العمل، وتتابع «أنا زوجة المنتحر الفقيرة والبسيطة والعاملة، فزوجي عاطل من العمل زمن الاتحاد السوفييتي الذي تحول فيه الأشخاص إلى الآلات. والمسرحية تتكلم عن قولبة الأشخاص بشكل عام، فكل الأشخاص مذنبين وهم في الوقت نفسه أيضاً ضحايا. منذ ثمانية أشهر ونحن نعمل على المسرحية، التي هي لنا تجربة كبيرة، وخصوصاً أنها من حيث طبيعتها ليست بالسهلة مطلقاً، فنحن أربعة عشر ممثلاً، ومن بيننا من لهم في المسرحية أكثر من شخصية، وكان هناك الكثير من الضغوط حتى في الإكسسوارات والإضاءة والديكور، هذا غير تحليل المسرحية، وأنا أشكر دكتور سمير لأنه منحنا هذه التجربة، لأنه عندما يتخرج الطالب بمشروع صعب، يكون قد اختصر على نفسه العديد من المراحل، وبالطبع اللغة العربية الفصحى من الأمور الصعبة في المسرحية، ولكن هذا الأمر تدربنا عليه جيداً وأصبحنا قادرين على التعبير باللغة الفصحى».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن