اقتصاد

سياسة نقدية.. ماذا حدث؟

| عامر الياس شهدا

يقوم مصرف سورية المركزي منذ أكثر من عام بالتوجه للبحث عن شروط التوازن النقدي الذي يتطلب البحث عن استخدام أساليب جديدة في التحليل النقدي تربط المتغيرات النقدية والنشاط الاقتصادي عن طريق السلوك الإنفاقي للمجتمع أي إنه تم التوجه إلى تحليل العلاقة بين المتغيرات النقدية والإنفاق العام من ناحية والربط بين الإنفاق العام ومستوى الأسعار والإنتاج من ناحية أخرى. وهذا الأمر أدى إلى تفضيل دعم الإنتاج عن زيادة الرواتب. رغم اعتقادنا أن زيادة الرواتب لن يكون له تأثير كبير على موضوع التضخم وهناك أدوات يمكن استخدامها في حال حدوثه.
ونتيجة التحليل الواقعي الذي اتبعه مصرف سورية المركزي للوضع النقدي وحالة الأسعار في السوق توضحت الصورة أكثر فالتضخم الحاصل هو زيادة في المستوى العام للأسعار ناشئة عن وجود فجوة بين حجم السلع والدخل النقدي المتاح للإنفاق. وعلى اعتبار أن جزءاً من الكتلة النقدية المتداولة خارج إطار الرقابة نتيجة الوضع الأمني فلم تعد الزيادة في كمية النقود أو الزيادة في سرعة تداولها هي الدافع إلى الارتفاع في المستوى العام للأسعار بل إن الارتفاع بالأسعار قد حدث نتيجة العجز أو قصور السلع وذلك بسبب انخفاض الإنتاج وسوء توزيع الاستثمارات على مختلف القطاعات الاقتصادية نتيجة الأوضاع ونقص الإنتاج الزراعي. كل هذه الأمور أدت إلى الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتراجع قدرة الدخل على الاستهلاك إضافة إلى اختلالات هيكليه ووظيفية في النشاط الاقتصادي.
من خلال المتابعة أعتقد أن مصرف سورية المركزي لم يختصر عمله على تثبيت سعر الصرف فقط فما يقوم به المركزي أصبح واضحاً ويترجم على أرض الواقع وأصبحت أهدافه الإستراتيجية أكثر وضوحا وأهمها:
1 – قطع مسافة جيدة تمكن المركزي من وضع سياسة نقدية حقيقية ملائمة ومتناغمة مع البيئة الاقتصادية والاجتماعية والنقدية.
2 – وضع ضوابط واستخدام أساليب حديثه لضبط الكتلة النقدية في التداول عن طريق نظام الدفع الالكتروني.
3 – دعم الإنتاج ورفع قدرته على تلبية حاجة السوق للوصول إلى تقليص الاستيراد.
4 – تخفيض الأسعار من خلال تثبيت سعر الصرف وضغط التكلفة.
5 -خلق تناغم بين سياسات المركزي ووزارة الاقتصاد ووزارة التجارة الداخلية.
6 – محاربة البطالة والفقر عن طريق تخفيض الأسعار ودعم الإنتاج ورفع القوة الشرائية لليرة السورية وأعتقد من المجدي العمل على رفع القدرة على الاستهلاك عن طريق زيادة الرواتب ضمن هامش محدد.
7 – إعادة بناء الثقة بين مصرف سورية المركزي والمجتمع وبين المجتمع والعملة الوطنية عن طريق تشجيع اكتناز العملة الوطنية.
8 – التروي والعقلانية في استخدام أدوات السياسة النقدية. واتباع سياسة عدم التسرع لتلافي الدخول بمختبرات التجارب كما كان يحدث سابقاً.
وهناك أهداف أخرى يعمل عليها المركزي وأعتقد أن المجتمع يلمس بشكل حسي وواقعي نتائج الإستراتيجية الموضوعة، وبات المجتمع أكثر ثقة بالمصرف المركزي من خلال شعوره بأن القطار وضع على السكة الصحيحة.
وهنا لا بد من تسليط الضوء على ما أشار إليه حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور دريد درغام على صفحته على «الفيس بوك»:
إن أحد أسباب تحسن الليرة السورية عودة السوريين إلى ورشاتهم وتحسين شروط التجارة الداخلية والخارجية وأشار إلى الدور الذي تلعبه كل من وزارة الاقتصاد في تشجيع السلع الأساسية اللازمة للإنتاج ما يعني إمكانية إحلال السلع المنتجة محليا مكان المستوردة بالتعاون مع الجهات الإنتاجية – ودور وزارة التجارة الداخلية الايجابي في التدخل مما يمكنها من تحقيق تخفيضات إضافية في الأسعار.
وما لفت نظرنا قيام الدكتور دريد درغام بمطالبة المجتمع للشروع بحملة شعبيه متكاملة لتنفيذ هذا التخفيض في الأسعار وأعتبره إشارة للرغبة في الانتصار بميدان الاقتصاد على الفقر والبطالة كما ينتصر الجيش العربي السوري في ميدان الحرب على الإرهاب.
من جانبنا نقول: إن توجه السيد الحاكم للمجتمع بين الحين والآخر أدى إلى وجود تفاعل حقيقي بينهما كما أدى إلى رفع مستوى الثقة بالسياسة المتبعة من قبل المصرف المركزي والثقة بنمطية تفكير حاكم المصرف.
وبدورنا ندعو المجتمع للتفاعل أكثر باتجاه الثقة بالعملة الوطنية وعدم الانجرار خلف شائعات يطرحها المضاربون بين الحين والآخر وعدم التهاون في دعم تخفيض الأسعار والقيام بعمل مؤثر في ذلك عن طريق الامتناع عن استهلاك أي مادة يشعر المجتمع بارتفاع سعرها دون مبرر، وهذا الأمر يشكل ضغطاً كبيراً باتجاه تخفيض الأسعار. وطريقاً أقصر للوصول إلى نتائج يستفيد منها الجميع لذلك يجب عدم الاتكالية على القرارات والإجراءات الحكومية والسير باتجاه ترجمة الفعل الشعبي على أرض الواقع. ويعتبر هذا الفعل ايجابياً وهو بمصاف إعلان حرب شعبيه على الفقر والبطالة والاحتكار وبنفس الوقت يعتبر دعماً اجتماعياً حقيقياً لانتصارات الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن