ثقافة وفن

قبل الماكياج… بعد الماكياج.. الحقيقة والكذب

 إيمان أبو زينة : 

لماذا نضع الماكياج؟
هل نفعل ذلك لإخفاء عيوبنا، أم لإخفاء ما بداخلنا؟
هل يمكن أن يكون الماكياج شكلا من أشكال الكذب؟
يبدو استخدام المكياج في الوقت الحاضر ظاهرة اجتماعية منتشرة في معظم أنحاء العالم ولكن بنسب متفاوتة حسب الذوق السائد في كل بيئة، وأحياناً كانت تقترن بمعتقدات معينة تعبيراً عن التفاوت الاجتماعي والطبقي بين الأفراد، إلا أن تزيين وتغيير الشكل هو ظاهرة تاريخية كانت موجودة في العصر الجاهلي قبل الإسلام، وفي كثير من المجتمعات القديمة كما عند الفراعنة في مصر، وعند الآشوريين على امتداد الهلال الخصيب، ولابد من التذكير بوجود جناح خاص في متحف اللوفر بباريس مخصص للعائلة التدمرية السورية ببهرجتها وزينتها.
التبرج كما هي الكلمة المعربة للمكياج، لم يكن مقتصراً على النساء فقط بل اشتمل الرجال أيضا، والدلائل على ذلك كثيرة منها استخدام الكحل العربي للعينين، ووضع الحناء الحمراء والسوداء على الشعر واليدين والقدمين والأظافر، واستخدام الوشم، ووضع الحلق في الأنف والأذن والشفاه، وتجديل الشعر، وطلاء الجسد والشعر بالزيوت والدهون على اختلاف أنواعها، والتنافس في استخدام العطور المتميزة.

لقد شهد العالم تطورا ملحوظا في عالم التكنولوجيا ووسائل الإعلام في العقود الأخيرة، ما جعل العالم وكأنه بين أيدينا فأصبح الفرد قادرا على الحصول على آخر المعلومات عن الموضات والمكياجات في العالم ما أثر في مفهوم المرأة لمقاييس الجمال، وبالتالي دفعها للإحساس بعدم الرضى عن نفسها والشعور بأنها غير مرغوب فيها وخاصة إذا كانت معايير جمالها بعيدة عن النموذج المثالي، لذلك كان البحث بالنسبة لها عن الكمال أو الجمال المثالي هو الغاية وهو الهدف.
الفنانة التشكيلية «هيفاء زهراء» قالت: الماكياج بالإنكليزية يعني make up وهذه الكلمة تعني الكذب والتمويه أو تغيير الحقيقة.
التمويه فخ لابد من الوقوع فيه كلما ازدادت نسبة فهم الإنسان لنفسيات الآخرين لأن الصدق والوضوح والصراحة قد تؤذي مشاعر إنسان، وقد تدمره مدى الحياة لو قال له من حوله إنه قبيح مثلا لأنها الحقيقة.
بالنسبة لي شخصيا فقد عرفت اللون منذ صغري، فهو يعطي البهجة للناظر ويمنح المشاهد بعدا نفسيا وارتياحا، ونقيضه يمنحه الانقباض والنفور، لهذا فإن استعمال الألوان في الماكياج بطريقة فنية واتباع قواعده الخاصة به تأتي بنتائج أفضل ناهيك عن المشاكل التي يخفيها في البشرة. الماكياج برأيي هو نوع من أنواع الأقنعة التي تحتاجها المرأة أحياناً للتخفي وراءه، أو لدرء سموم اللسان من أن تنالها.
لاشك أن تأثير وسائل الإعلام بكل أنواعها وما تحمله المجلات والصحف اليومية من صور لمشاهير وعارضات أزياء عالميات دعم تمرد المرأة وعدم رضاها عن نفسها، لذلك كان البحث المستمر لتحقيق الجمال هدفها وغايتها في كثير من الأحيان، فباتت تلجأ لصبغ الشعر، ووضع العدسات اللاصقة، وتغيير ملامح الوجه والجسد لتحقيق النموذج المرغوب فيه.
خبيرة التجميل «منال شناتا» قالت: الماكياج وجد لإظهار الملامح الجميلة ويمكننا اعتباره عملية تجميل من دون تجميل، فهو يخفي عيوب الوجه ويعطي رونقا ونضارة، وأنا أعتقد أنه يلعب دوراً مهماً في تحسين نفسية المرأة في ظل الظرف الراهن، أو في حال كانت متعبة، أو مريضة، أو تعاني من بعض الاكتئاب، فالمظهر الجديد الذي تظهر به بعد الماكياج يساعدها على الخروج من تلك الحالات.
أنا أحب الجمال الطبيعي، لكن أود أن أؤكد أن الزينة الخارجية لا تخفي عيوبنا الداخلية لأنها ستظهر حتما سواء وضعنا الماكياج أم لم نضعه، لذلك أنا أرى أن ما نضعه على وجوهنا ليس إلا لإظهار الجمال الخارجي والطلة المميزة والترتيب الذي نرغب أن يراه الآخرون.
الاختصاصية الاجتماعية «إيمان زهراء» اعتبرت أن التركيز على نظرة المجتمع للفرد وانجازاته المادية وتحصيلاته العلمية وانتماءاته الاجتماعية لها شأن عظيم في حياة الأفراد، لأن معظم الناس تسعى لأن تكون مقبولة اجتماعيا وحائزة امتيازات عالية ضمن المعايير والأصول للمجتمع المعيش، حيث إن هناك علاقة جدلية بين الفرد والمجتمع والمكياج، فالماكياج يقوم بدور مهم في تأثير نظرة المجتمع إلى الفرد وتقييمه وإطلاق الحكم على ذكائه وجاذبيته، ما يؤثر في ثقته بنفسه من خلال التقيييم الإيجابي له من قبل الآخرين، فلا عجب إن بدت ظاهرة تحسين المظهر تغزو مجتمعاتنا..
وتابعت: اليوم أصبحت مقاييس الجمال أكثر شمولية، وأصبح جمال المرأة يأخذ حيزا ومكانة عالية في تفكيرها، فمعايير الجمال لم تعد تقتصر على المقاييس المحلية بل أصبحت تستمد من مشاهير حائزين رضى الناس فأصبحوا نموذجاً للجمال المثالي. حتى مفهوم المجتمع للمواهب والإمكانات الفردية اختلفت طبقا للمعايير الجمالية السائدة عالميا، فالنساء ذوات المواهب المتميزة أصبحن يشعرن بالنقص إذا لم تكن لهن مقاييس جمال نساء أقل منهن قدرة وموهبة لكن يفقنهن جمالاً. ولابد من التنويه بأن النساء عامة يتفانين لتحقيق جسد نحيل ورشيق إلا أن هذه الصفات في «غانا» الإفريقية مقرونة بالفقر وقلة التغذية، لذلك كلما ازداد وزن المرأة هناك كانت أقرب للجمال والكمال.
مصفف الشعر «جوني سليمان» /30 عاماً/ قال: نحن وصلنا إلى مرحلة متطورة جداً في التواصل عبر الانترنيت، ومن خلال مواقع مثل «الانستغرام» أصبح الجميع، شبابا وشابات، يحب الظهور بأحسن صورة كي ينال أكبر عدد من الاعجابات بشخصيته وشكله العصري الذي يحاكي الموضة السائدة، لذلك أصبح الاهتمام بالطلة الجميلة في الماكياج والشعر والتاتو والتغيير والتجديد هو الشغل الشاغل واليومي لهم. وحسب رأيي أن التعب النفسي الداخلي يجب ألا يستلزم إهمالاً بالشكل الخارجي لأنه يجب على الجميع فعل ذلك وخاصة أننا نعيش ضغوطا حياتية دائمة، ومن هنا لابد أن نظهر جمالنا حتى لو كان في إظهاره بعض الخداع عند بعض السيدات لما يعشنه من سباق مع الأخريات عبر التقليد والغيرة ومتابعة الموضة.
المهندس «معن طيار» /50 عاماً/ يقول إنه يحب جمال المرأة كما خلقها الله، ويعتبر أن بعض التجميل الخفيف لا يضر لمن ترغب فيه، لكن الماكياج القوي الذي يراه على أغلب الفتيات بات أمرا مزعجا ولن يخفي عيوبهن مهما حاولن التستر وراءه.
الشاب «كلود الياس» /20 عاماً/ يقول إنه يحب الماكياج، لكن أكثر ما يشد انتباهه تزيين الشعر باللون الأشقر، فهو يعتبر أنه يظهر الجمال الحقيقي لوجه المرأة مهما كانت مقاييس جمالها، ولا يرى أن في الزينة خداعاً أو كذباً لأن الشباب في وقتنا الحالي واضحون، ولايحبون الكذب.
السيدة «باهي زريق» /60 عاماً/ قالت: أنا لا أضع الماكياج أبدا حتى في المناسبات الخاصة، لأني أرى الجمال دائماً هو جمال الروح، فمهما كانت ملامح الشخص الذي أعرفه جميلة فأنا أراه من داخله وأعرف حقيقته، لذلك لا يعني لي الماكياج إلا شكلا من أشكال الكذب، وأنا أرى أن وضع الزينة والتبرج له أوقاته ومرحلته العمرية لذلك أرى أنه من غير اللائق والمناسب وضع الماكياج لمن تجاوزن أعمارا محددة لأن ذلك سيظهر العيوب ولن يظهر الجمال.
المهندسة «كاتيا عوض» /40 عاماً/ تخالف السيدة «باهي» وهي تعتبر أن الماكياج ضروري لكل الأعمار لكن بشدة أقل، فالصبايا يصبحن أجمل مع بعض الماكياج الخفيف، أما من تجاوزن سن الثلاثين فإن جمالهن يظهر بالكامل مع وضع الزينة، لكنها مع ذلك تنصح بعدم المبالغة بكل أنواع الزينة لأنها ستشكل حاجزا وهميا بين الواقع والتزييف.
إذاً هناك اختلاف بين الرجال والنساء في تقييمهم أو تقييمهن للجمال والزينة وارتباط ذلك بالتقاط الإشارات غير المفهومة عندهم من خلال الماكياج، لكن من الواضح جداً أن فك الرموز مرتبط بداخلنا وفهمنا للروح الحقيقية التي تميزنا.
في النهاية لابد من إعادة طرح السؤال: هل الماكياج هو كذب، أو هو قناع لنخدع من حولنا وأنفسنا لإخفاء ما بداخلنا؟
الجواب متروك للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن