مغادرة الشرنقة!!
عصام داري
ننتظر الإشراق في لحظات يأس، ونبتعد في الزمان والمكان كي لا تفوتنا لحظة بزوغ الشمس في الساعات الأولى من النهار، لكننا نغني لليل والقمر والنغم الذي تعزفه حنجرة يمامة، أو وتر عاشق تاه في سحر المواعيد.
تبدو الابتسامة أحياناً بحجم إشراقة شمس، أو بزوغ قمر، أو بألوان قوس قزح بعيد مطر غزير ورذاذ تطاير تحت شمس النهار.. هل شاهدتم مطراً ينهمر والشمس تلون الأفق بخيوطها الذهبية؟.
تختلط الألوان حين نعيش لحظة مجنونة، أو نسافر في الزمن القادم ونحن لم نبرح مكاننا، لأن الحلم الذي هو السفر نحو داخل النفس البشرية، ليس بآلة الزمن التي تحدث عنها جول فيرن يوماً.
قد يأتي الفرح متأخراً دهراً، وفي التوقيت غير المحسوب، لكنه مع ذلك يأتي، وأنت تغرق في بحر أحزان لا نهاية له، وهل نحتفل بالفرح القادم من عالم الغيب والمجهول، ونقيم مراسم وداع الأحزان التي استوطنت أرواحنا ونفوسنا؟.
إذا كان قدرنا الحرب على عدة جبهات فهل يعني ذلك تأجيل فرح اليوم إلى غد قد يأتي وقد لا يأتي؟. وهل نغلق بوابات الأمل في وجه موجات متتالية من الومضات المشرقة الواعدة التي تبشر بلمحات وساعات مسروقة من أنياب وحش الزمن القاتل؟.
من الظلم والإجحاف أن نقتل لحظة فرح عابرة قد لا تتكرر حفاظاً على حزن لا يريد أن يرحل، أو كرمى لعيون من يريد لنا ألا نرى ضوء الشمس أبداً، والحاقدين على الحب والجمال والحياة.
تأتينا الدهشة أحياناً من رحم جمود وجليد تراكم على مدى سنوات ودهور، فينتشر الدفء في الأرجاء، وتستعيد الروح الإحساس بالبهجة، وتعاود الطبيعة سيرتها الأزلية، وتنسج القصيدة قصة قلوب لا تعرف اللون الأسود.
كثيرة هي أحلامنا التي لم تتحقق.. ونادراً جداً أن ترجمت أجزاء صغيرة من تلك الأحلام، لكن مشاهد عابرة قد يكون لها أثر لا يمحى على مر السنين ونتمنى ألا نغمض أعيننا ولو لجزء من الثانية كي لا يهرب المشهد البديع فنحن نحتاج إلى التأمل، والتفكير الناضج قبل أن نشكو غدر الزمان، وقسوة الأيام فكيف نفرط بساعة صفاء أو بدقائق وثوان هربت من زمن القهر والعهر وتبرعت لنا برحلة صغيرة بعيداً عن أعين الحساد وأعداء الحياة؟.
لكنني أقول وأنا بكامل قواي العقلية: إنني قررت مغادرة الشرنقة التي كادت تخنقني، وكما كنت في السابق، سأكون في المستقبل وسأنسج من خيوط الأبجدية عباءة مزركشة بألوان الربيع، ومعطرة بأريج الياسمين والورد الشامي، وأكتب قصائد غزل وزجل، تقرؤه القلوب والعقول قبل العيون، وأرسم لوحات عاشق مر يوماً في حياة فارسة جميلة خارجة من محيطات السحر والخيال، فترك حروفه الأولى وحبه الأول، وحكايات زمن كان جميلاً، ويريد أن يعيد جماله وألقه، وسأكتب لكل من مر في حياتي من مسافرين وعابري حياة وعشاق كلام، وحب واشتياق.
فالحياة موقف وكلمة وانطلاقة فارسة في الساحات والميادين، من دون توقف والاعتراف بهزيمة نسهم فيها بإرادتنا حتى قبل أن تقع، هذا قراري ولن أعلن هروبي وفراري مهما اشتدت الخطوب.