اقتصاد

البطاقة التموينية تتطلب أتمتة حقيقية

علي هاشم :

 

الشرح القليل الذي قدمته وزارة التجارة الداخلية عن «أتمتة البطاقة التموينية» يكفي لنفي صفة «الأتمتة» عن المشروع العتيد، والوفر المتوقع تحقيقه من المبادرة يقتصر على ضغط المصاريف البيروقراطية، ورغم أنها ليست بالقليلة، إلا أنها لا تطرق أبواب الفساد الناخر في جسد هذا الملف الحيوي، كما لا تعترض -ولو مواربة- ما يقتطعه من مبالغ هائلة يغرفها من بحره سنوياً.
يحتاج مشروع «الأتمتة» المعلن إلى تعديلات جوهرية ترتقي به لمصاف المشروع الوطني، كما هو بالفعل، وعلى الرغم من «المخاطر المهنية» التي تعتري إقدام «وسائل الإعلام» على اقتراح بدائل لما اصطلحت الوزارة تسميته بـ«الأتمته»، فإن التقاعس التام للمؤسسات الحكومية المعنية، يبعث على الشجاعة للإدلاء بمقترحات موازية علها تساعد في درء المحدودية والاجتزاء اللذين يعتملان العرض النظري المعلن للمبادرة.
من حيث المبدأ، تتطلب مشاريع الخدمات الإلكترونية الشبكية المرتكزة إلى أساس «سكاني»، ضبطا جذريا يستند إلى السجلات المدنية، وهذا حال الدعم التمويني الذي تشكل العائلة وحدته الأساسية لتناول «الخدمة/ الدعم»، وخلفها يقف عدد متغير من الأفراد لكل منهم حصته الخاصة.
عطفا عليه، يكشف التحليل المبسط لنظام الخدمة عن جوهرية ابتداع بيئة للتخاطب المرن بين قواعد بيانات السجلات المدنية المتغيرة وبين بيانات «الزبائن/ المستفيدين» لدى «وزارة التموين/ مقدم الخدمة» بما يكرس القدرة لدى الأخيرة على التحقق الموثوق والآني من تلقي الخدمة لمرات وكميات محددة، مشفوعا بنظام إنذار لالتقاط العمليات المخالفة للقواعد.
على أرض الواقع: السجلات المدنية الوطنية مؤتمتة بالكامل.. تبقى عقدة وزارة التجارة الداخلية. ولحسن الحظ، ثمة اتفاق مشترك بين الوزارة وبين المصرف التجاري لتوطين نقاط بيع إلكترونية في منافذ «استهلاكية» مهمتها إتمام عمليات دفع قيمة المواد التموينية بالسعر المدعوم، وبالنظر إلى الاتفاق من زاوية أرحب، يمكن لمح الفرصة في اعتماد المصرف كـ«واجهة وسيطة» بين وزارتي الداخلية والتجارة لإقامة منظومة إلكترونية خاصة بمناولة الدعم التمويني عبر استنساخ طرائق استصدار دفاتر التموين العائلية «والهوية الشخصية» بين الداخلية والتجارة، لاستصدار ما يمكن تسميته «بطاقة دعم تمويني» تحاكي بطاقات «Syria Card» ضمن قاعدة بيانات «أستاذ عام» مستقلة تديرها جهة بيروقراطية مؤتلفة بين الجهات صاحبة المصلحة اعتمادا على منظومة المصرف التجاري «أو منظومة مستقلة كالمحولة الوطنية».
وبالطبع، فبدلاً من القيمة النقدية التي تختزنها «Syria Card» في الحساب المصرفي التقليدي، تشحن بطاقة الدعم «Syria Card» بقيمة عينية تقابل الكميات المخصصة لحاملها من السلع التموينية وفق القواعد الأساسية للخدمة.
المشاركة «الوجدانية» المقترحة هذه، تتوخى تعزيز وثوقية مشروع «أتمتة الدعم التمويني» المطروح، وهي تحتاج -بالتأكيد- إلى النقد الكافي لإخراجها بالصيغ البيروقراطية والإلكترونية المناسبة.
من حيث الكلفة، وبالنظر إلى ندرة المشاريع الاستثمارية التي تنتهي في جدواها إلى 100%، ففي الواقع يشكل مشروع أتمتة «حقيقي» للدعم التمويني أحد هذه المشاريع النادرة، قياساً بما يقتطعه الفساد من أمواله سنوياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن