توحّد!
غسان كامل ونوس
أميل إلى أن أكون وحيداً؛ بتّ كذلك؛ فلا تدعوني وشأني! أخاف على نفسي منكم، وأنا معكم، وأخاف عليكم من نفسي، حين تعود إلى رشدها، أو حين يتاح لها أن تتأمّل بتركيزٍ في ما يجري، في ما يقال، ويشاع، ويعمَّم، ويسوّق، ويمارَس.. قد يلهيها ضجيج حركاتكم، قد تشغلها مبالغاتكم بأي اتجاه؛ حزناً أو فرحاً، ولاء أو معارضة، عملاً أو عطالة.. قد يخيفها تهوّركم، واندفاعكم، قد تعجبها حماستكم، وتواسيها دعواتكم، وابتهالاتكم، ويقلقها انتقامكم، الذي لا يوفّر أحداً، ويحرّكها لهاثكم تلمّظاً أو انتشاء. قد لا تستطيع نفسي المنذورة لكم بلا منّة ولا ثمن، التفكّرَ في أحوالكم، وهي بينكم، ولا النصحُ يُسمع، من صدى القهقهة، أو وقع النحيب، ولا الشماتة من طبعها، حين تراكم تنحدرون من خفض إلى خفض، وقد تسوّغ لكم، لبعضكم، بعضَ ما يقوم به، للظروف والصروف، والفصول التي تتبدّل، وتتحوّل، وتنقلب، وقد لا تستطيع أن تقوم بأكثر من هذا؛ لأنّها في موقع الدفاع، حتّى وهي غير مشاركة؛ فعليها أن تبايع، وتصفّق، وتؤيّد، وتمجّد، وتبارك، بصرف النظر عن الاستحقاق والموضوعيّة، وعليها أن تعلن ذلك، ولا يكفي أضعف الإيمان..!
أتوسّل إليكم، وليس من طبعي التوسّل، ألا تدعوني وحدي؛ قد لا أستطيع تحمّل تبعاتِ ذلك، وقد تكونون، على الرغم مما قلت فيكم، وما لم أقل، أَشفِقَ على نفسي من نفسي؛ فالأمور واضحة، والبدايات تقود في المساري المرتبكة، والمنعطفات الشائكة إلى النتيجة العاثرة؛ والمجاري المكشوفة، والضفاف النافرة، والأطراف المعكّرة.. ستؤدي بالسائل إلى مستنقعات آسنة، وبقايا كريهة المنظر والرائحة.. والأذى لا يتوقّف على معاصريها ومجاوريها؛ بل يمتدّ خطره إلى مواسم تالية، وكائنات قادمة. أفكّر في هذا، وألومكم، ؛ بل أندّد بكم، بأهدافكم المحوّرة، وشعاراتكم المزوّرة، بعباداتكم المضلّلة، ومبادراتكم المدمّرة، بخياراتكم الممجوجة، ومعاييركم الزئبقيّة..
أمركم غريب، أنانيّون، وأنتم في ركب واحد، وفرديّون ولو كنتم في حشد منظّم، وحاسدون حتّى وأنتم المالكون، ومحاكِمون وأنتم المتّهَمون، ولائمون وأنتم تحاصِرون، وتشتكون وأنتم الأسياد، يتجشؤون من التخمة، وتُزاحمون على الفُتات، وتطالبون بالحدّ، و«لا قطع الأرزاق»، وتتذمّرون من الخروج على الحدود، وأنتم حرّاسها، وتُقبلون على الدنيا، وتذكّرون بالآخرة، وتوقدون النار في الشجر والحصيد، وتخافون عذابها، وتلهثون وراء زينة الدنيا..
وماذا تبقّى لنا، لكم؟! وما الذي تريدونه أكثر؟! وهل بقي ما يراد؟!
لم تتركوا ساحة من دون حوافر خيلكم، ولا مجالاً من دون تخويضكم، ولا جهة لم يوارِها غباركم..
السماء افتقدت كثيراً من زرقتها؛ لأنّكم صوّبتم إليها سهامكم؛ والغيم ابتعد عن آفاقنا، بسببكم، حتّى «قوس قزح» تعرّجت حدوده، واختلطت ألوانه إلى لا لون، إذا ما تشكّل!
هل أبالغ في توهّمي؟! إذا ما كان ذلك، فإنه بتأثيركم؛ ولا يعني هذا أنني أخافكم، أو أحسب لكم حساباً في كلّ ما أقوم به، أو أفكّر فيه؛ بل قد يكون العكس هو ما يحدث!
لهذا، ولأمور أخرى قد لا أستطيع البوح بها.. أرجوكم؛ لا تَدَعوني وحدي، قد أؤذي نفسي؛ لأنّني غير قادر على أذيّتكم؛ فأنا منكم، وإليكم، ومعكم، وفيكم، وبكم، ولكم، ومن أجلكم..