أفكار على هامش المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري
عبد المنعم علي عيسى :
لربما تأخر مؤتمر دمشق الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري، إذ لطالما كان ملحاً ربط أزيز الرصاص بحفيف القلم في معركة مصيرية أدواتها ليست البندقية فحسب بل الأفكار أيضاً، وهي تهدف إلى اقتلاعنا من جذورنا، ولسوف تحدد (تلك المعركة) ولعقود طويلة طبيعة الأفكار والسياسات التي ستسود المنطقة في أعقابها، فكما الحديد لا يفله إلا الحديد، كذلك الفكرة لا تنسفها إلا الفكرة النقيضة. على كل انعقد المؤتمر أخيراً وهذا مهم ولو كان متأخراً.
قبل كل شيء يجب أن نعترف بأن أعداءنا قد استطاعوا اختراقنا في العمق بل استطاعوا الوصول إلى شرائح في مجتمعاتنا لم يكونوا (في السابق) يحلمون بالوصول إليها، فلقد تركت تل أبيب (كما تقول) «ودائعها» بين ظهرانينا ولا بد للأمبولات الدوائية التي اخترقت أجساد جرحانا أن تزهر (وتثمر أيضاً) أقله للنسبة الغالبة من أولئك الجرحى كما يذهب الرهان الإسرائيلي.
كثرت التنظيرات (ونحن نأخذها على محمل التمعن والنقد الجاد) التي كانت تهدف للتصدي لسؤال كبير ومحوري هو: لماذا وصلنا إلى هنا؟ وما الذي أدخل ذلك الفكر التكفيري إلى حاراتنا وبيوتنا؟ ثم ما تلك العوامل الموضوعية التي أدت إلى نشوئه (أو عبوره) وتلك التي تؤدي إلى نموه وتطوره؟
أحال الكثير من النخب التي سلطت الأضواء عليها ذلك الأمر إلى تعثر – والبعض قال موت- المشروع القومي العربي، ما أتاح ذلك الحيز لكي تتغلغل تلك الأفكار فيه يضاف إلى ذلك دخولنا عصر «صحافة الفرد» التي هيّأت لها هايد بارك العرب الأرضية المناسبة لتفعليها قبل أن تصبح – قناة الجزيرة القطرية – رقماً صغيراً أمام شقيقاتها اللواتي بتن يتوالدن بمتوالية هندسية لما تنقطع بعد.
ويضيف أصحاب الرؤيا السابقة أن الاختراق كان عبر نقاط الضعف المنتشرة في تركيبتنا كالمذهبية- العرقية- الطائفية والإثنية والجهوية.
كل ما سبق صحيح إلا أن الحركة التي تنقص تمام المشهد هي أن أحداً لم يذهب إلى تحديد عوامل الضعف و(القوة) في تلك النعرات، كأن يقال مثلاً إنها تقوي و(تضعف) تظهر و(تندثر) تبعاً لحجم الفوارق في درجة التطور الاجتماعي والاقتصادي للأقاليم التي تقطنها تلك النعرات ولو استقطعنا (أو كان بمقدورنا) أن ننتشل أولئك الذين اضحوا في الدرك الأسفل من السلم الاجتماعي لكي يستطيعوا الوصول إلى أعلاه لما استفاقت نعراتهم (أياً تكن تلك النعرات) ولما أمكن اختراقنا حتى ولو جاء البترودولار كله ومعه الانغلوساكسونية الفكرية ومعهما أيضاً الصهيو- مسيحية الجديدة.
نحن اليوم في مرحلة تخبط قصوى تشمل الخلط بين المفاهيم، وانقلاباً في صورة الأشياء، وفقداناً للبوصلة، فالعداء مع إسرائيل بات يمثل وجهة نظر فحسب، كما بات التكفيريون أصحاب منهج فلسفي وجد أصلاً لحماية الدين من الانحدار!! وبناء عليه بات صعباً أن نميز بين ما يمكن أن يقال له «وطني» وآخر «ليس وطنياً» أو بين ما يمكن تصنيفه «تقدمياً» يدفع بعجلة التاريخ إلى الأمام وآخر «رجعياً» يضع العصي بين دواليبها سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم المنظمات أم الحكومات والدول.
في عز هذه الظهيرة التي تلهب سياط ذلك التخبط ظهورنا لابد لنا من العودة إلى المسائل الأساسية في تقييم النهج أو المسار العام الذي نسير فيه لكي نستطيع أن نحدد- ونسمي- الأشياء بأسمائها.