تركيا والحرب المزدوجة
مازن بلال :
بدت التحولات التركية السريعة أكثر من إعلان حرب على داعش، فأنقرة تعيش حالة ارتياب سياسي من أحداث الشمال السوري كافة، وفي الوقت نفسه تقف أمام استحقاق رسم سياستها الداخلية المرتبطة بعوامل سورية أيضاً، فالحرب المزدوجة على داعش وحزب العمال الكردستاني لا تبدو منطقية من جهة البناء السياسي التركي، حيث تبدو جميع محاولات «العدالة والتنمية» لمد الجسور مع الأكراد أمام حالة اختبار، وفي الوقت نفسه فإن احتضان المعارضة السورية أصبح ضمن حسابات مختلفة.
عملياً فإن إعلان الحرب على داعش والدخول ضمن التحالف الدولي لن يغير المعادلة كثيرا، فحماية الحدود التركية تتطلب أكثر من مسألة عمل عسكري، في وقت أصبحت هذه الحدود الطويلة جزءاً من رسم السياسة التركية، فهناك بالدرجة الأولى جملة مصالح داخلية نشأت نتيجة الحركة على هذه الحدود من دون ضوابط رسمية، فالدعم اللوجستي التركي على الأقل لجبهة النصرة خلق حالة غير مسبوقة لعلاقة أجهزة الأمن مع المجموعات المسلحة، وعلى المقلب الآخر فإن هذا الدعم كان الورقة الأساسية لتركيا في لعب دورها داخل الأزمة السورية، فحدودها المفتوحة هي التي أعطت أهمية لبعض التشكيلات السورية، وعلى الأخص «الائتلاف السوري»، وهذا الوقع فرض على أنقرة جعل حدودها الجنوبية جبهة سياسية إضافة إلى كونها جبهة عسكرية.
ويحاول حزب العدالة والتنمية اتخاذ موقع مختلف بشأن الحدود مع سورية، لكن الإستراتيجية الجديدة لا تزال غير واضحة، فمحاربة داعش عسكرياً ستؤدي بشكل سريع إلى الحد من الشبكة السياسية للمعارضة السورية الموجودة على أراضيه، لأن هذه الشبكة لا تصدر المواقف السياسية فقط، بل تملك حركة أخرى تؤمن الدعم للفصائل العسكرية، فالمعارضة الموجودة على الأرض التركية مرتبطة بشكل مباشر بالعمليات العسكرية وتفرز «اللاجئين»، وهي بظل عدم الاعتراف التركي الرسمي بتقديم الدعم؛ تمارس نشاطاً مختلطاً هو مزيج من الصعب وضعه في خانة السياسة لأن هدفه الأساسي خوض حرب على الأرض السورية.
والسؤال الذي يتم طرحه اليوم: هل تخلت أنقرة عن فكرة المناطق العازلة؟ أو عن إستراتيجيتها في خلق جغرافية على حدودها لمحاربة النظام؟ يبدو في هذا الوقت أن العمل مرتبط بالتداعيات التركية أكثر من كونه رسماً لإستراتيجية جديدة تجاه دمشق، فالحرب لم تعد فقط على الحدود بل على تشكيلات العمال الكردستاني داخل تركيا، إضافة إلى تصفية الشبكات الداعمة لداعش التي كانت مهمتها داخل سورية، ومن المحتمل أن تصبح عملياتها داخل تركيا، ومن الصعب تحقيق هذا الأمر من دون رسم سياسة مختلفة مع المعارضة السورية على أرضها التي استمدت قوتها من حركة الأموال والبشر باتجاه مناطق المعارك في الشمال السوري.
من المستبعد أن تتخلى أنقرة عن دورها داخل سورية بعد خمس سنوات من الدعم المباشر للفصائل المسلحة، ولكن البحث عن هذا الدور يأخذ سياقاً مختلفاً ربما يظهر لاحقاً عبر حالة إقليمية، فهناك انتظار تركي لتحرك دولي بعد تقرير ستيفان ديمستورا، المبعوث الدولي إلى سورية، وهناك أيضاً استحقاق تشكيل حكومة ائتلاف أو حتى الذهاب لانتخابات مبكرة في ظل خطر أمني واضح، لكن أوراق أنقرة لم تعد كما هي لأنها أصبحت ضمن توجه إقليمي كامل لتوزيع الأدوار في المنطقة كلها.