بين المناطق العازلة والطموحات التركية.. هل دقت ساعة التوافق السياسي؟
فرنسا – فراس عزيز ديب :
بالأمس أكد مسؤول أميركي أن هناك تبدلات كثيرة في المواقف، إن كان لجهة اقتناع تركيا بالدخول في الحرب ضد داعش، أو حتى بما يتعلق بـ«التزامات» للولايات المتحدة. لم يحدد الرجل ما هذه الالتزامات، بمعنى آخر هل هي حقاً مايُشاع عن صفقةٍ (أميركية ـ تركية) تمنح الأتراك فرصة إقامة مناطق «عازلة» على الحدود مع سورية أم هي نوع من «البروباغندا» على طريقة لجنة «كريل» تهدف لإنزال الجميع عن الشجرة؟ فما احتمالات مايجري؟!
الاحتمال الأول أن الولايات المتحدة فعلياً أعلنت موافقتها على إقامة المنطقة العازلة، وهو المطلب التركي الدائم. يتذرع «العدالة والتنمية» بأن الحكومة في سورية عاجزةٌ عن حماية حدودها، عندها نسأل: لماذا لم تقم حكومة «العدالة والتنمية» بتحمل مسؤولياتها من الجهة التركية للحدود؟
الأهم أن هذا الاحتمال هو في النهاية اعتداءٌ على دولةٍ ذات سيادة، وفي حال حدوث هذا الأمر علينا من باب الواقعية أن لا نسأل ماذا سيكون رد القيادة السورية، الأهم أن نسأل ماذا سيكون رد الحلفاء؟ فإذا كانت تركيا عجزت عن فرض المنطقة إلا بمشاركة حلفائها، حتى وزير الخارجية التركي تحدث بالأمس عن «مناطق آمنة» متجنباً الحديث عن ماهيتها، فمن سيمنع إقامتها؟!
بالشكل العام عندما تعتبر نفسك جزءاً من منظومة، فإن «ترموستات» مواقفك يرتفع وينخفض بناءً على قوة تحالفاتك، فهل أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يدركوا بعد عواقب هذا الأمر لأن أي خلل إقليمي بالنهاية هو خللٌ في التوازن الدولي؟ أم إنهم مطمئنون؟! هذا التساؤل يدفعنا نحو الاحتمال الثاني…
هذا الاحتمال ينطلق من فرضية خروج جميع الأطراف مقتنعة بأن الأمور وصلت فعلياً إلى حد الانفجار، عليه تأخذ تركيا وضعاً «مؤقتاً» بالدخول نحو عمقٍ معينٍ تفرضه أهمية «بروباغندا» حربهم على الإرهاب وينتهي بانتهائها، بمعنى آخر هو إنهاء «ديبلوماسي» بتخريجة أميركية لتبييض صفحة «العدالة والتنمية» كمحاربٍ للإرهاب، وخروجه محفوظ ماء الوجه بإنجاز منطقةٍ عازلةٍ ولو مؤقتاً. يبقى هذا الاحتمال غير منطقي، تحديداً أن هذا الأسلوب قد يحمي تركيا من الخارج، لكن ماذا عن الداخل؟ مع التذكير أن حزب العمال الكردستاني أعلن «بعكس التوقعات» انتهاء ما سماها عملية السلام مع الحكومة التركية بعد قيام طائراتها بقصف مقار للحزب في شمال العراق. هذا التطور الخطير يقودنا للاحتمال الثالث والذي يبدو إن حدث فهو أخطر السيناريوهات، فما هو؟
في إحدى مشيخات النفط، بات حتى من يطالب بمزيدٍ من الحرية ولو بتغريدةٍ على تويتر يُحاسب ويُسجن بتهمة الانتماء لجماعةٍ محظورةٍ. أراد أردوغان أن ينفذ الأمر ذاته، بمعنى أن كل من دعا يوماً للتظاهر في ساحة «تقسيم» بات الآن «يدعم التطرف» ويجب اعتقاله. لم يتوان «داوود أوغلو» ذاته عن المساواة بين من سماهم التنظيمات اليسارية و«الدولة الإسلامية»، حتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تسلم من هذه السياسة الجديدة، فهل حقاً أن الوضع في تركيا بات بهذا الجنون؟
منذ آذار الماضي، بدا تصاعد الخطاب الأردوغاني وكأنه يجهز الشعب التركي لمصيرٍ ما، مارس «بروباغندا» واقعية لرفع أسهمه وأسهم حزبه، عمادها أننا سنكون ضحايا اتهاماتٍ باطلةٍ لأننا نشكل «الإسلام الحقيقي».
لم يكتفِ بتحميل «إيران بطريقةٍ غير مباشرةٍ» مسؤولية مايجري، عندما اعتبر أن تغذية الطائفية في العراق ودعم «نظام الأسد» هما من أوجدا داعش، لكنه قال: «المسلمون في نظر الغرب هم نحن هنا في هذا البلد ». لانعلم من أين جاء أردوغان بهذه «البروباغندا»، أي إن الغرب يرى الإسلام من خلال «رجب طيب أردوغان». سنتفق معه، فالغرب يسعى دائماً لرؤية الإسلام من المنظار الذي يشوه الإسلام، ولا يقدمه بصورته الحقيقية. أراد أن يقول سلفاً أن أي ادعاءٍ مستقبلي عن حماية الإرهاب هو تشويهٌ لنا لأننا «المسلمون». هذا الخيار المبني على شد العصب الديني في تركيا سيبدو أسوأ السيناريوهات الممكنة، لأن ما من عاقلٍ يتمنى هذه الأيام انفجار الوضع في تركيا من الداخل، فالجميع سيكون متضرراً أكثر بكثير مما هو متضرر الآن، بما فيهم سورية، فهل هناك ـ وانطلاقاً من الحدث السوري ـ من يدفع أردوغان نحو ذلك؟!
زار ديمستورا سورية، لا يبدو أن مقترحات القيادة السورية خرجت عن الثوابت، حتى إنه لم يحظى بلقاء الرئيس الأسد، فهل هو «عقابٌ» ضمني لتجاوز حدود مسؤولياته في حديثه لإحدى الصحف الأميركية؟.
كذلك الأمر فإن ارتفاع الحديث عن التقارب مع سورية بات يُقلق الأعداء، فكيف يتم اتخاذ خطواتٍ انفتاحيةٍ تجاه سورية، وكيف يتم الحديث عن تحالفاتٍ للقضاء على الإرهاب، بينما الولايات المتحدة ستسمح لتركيا بإقامة منطقةٍ عازلةٍ رفضتها لسنواتٍ. هنا يكمن السر وهنا سيظهر لدينا نوعٌ جديد من «البروباغندا»، هي لاتحتاج أبداً لشعبٍ جاهلٍ؛ هي تحتاج فقط لـ«قائدٍ» من فصيلة «رجب طيب أردوغان»، ليس فقط أعمى عما يجري في الداخل، لكنه أعمى حتى عن استماتة «جون كيري» بالدفاع عن اتفاقه النووي… إنها «البروباغندا القاتلة».