التربية أولاً..
د. اسكندر لوقا
لايكاد يخلو كتاب إلا وأراد صاحبه أن يوصل من خلاله رسالة إلى أبناء جيله والأجيال التالية. وفي سياق اهتمام الكاتب بهذه المسألة، تندرج مؤلفات كبار الكتاب الذين أورثوا الإنسانية قيما ومبادئ جعلتهم منارات تضيء دروب الأحياء من بني البشر كيلا يضلوا الدرب.
في السياق المتصل، ليس شرطاً أن يتوقف القارئ عند كتاب أدبي يروي قصة حياة شخص أو مجتمع أو حدث تاريخي وسوى ذلك. إن كتابا يتحدث عن قيمة أو مثل أعلى، لا يقل شأنا عن الكتب الأدبية البحتة، وذلك على غرار الكتاب الذي أثار ضجة سنة صدوره في العام 1798 ولا يزال لافتا إلى يومنا هذا، لعلاقته بتربية الجيل، بغض النظر عن كون أبناء هذا الجيل أو ذاك معاصرين أم لا.
صدر الكتاب على نحو مذكرات للأديب والسياسي الفرنسي جان فرانسوا مارمونتيل بغية تأديب أبنائه، كما في مقدمة المذكرات. ومنذ صدوره لا يزال النقاد المعاصرون يعتبرونه ثروة تربوية تصلح لتربية أبناء الجيل الحالي ومن سيليهم مستقبلا. هذا إضافة إلى أن مارمونتيل يعد من أبرز المؤرخين الذين عنوا بتاريخ أميركا اللاتينية والحضارات الهندية القديمة فيها.
يقول مارمونتيل إن عملية التربية مسألة وطنية ولا تقل شأنا عن إعداد المقاتلين دفاعا عن بلدهم. ولهذا الاعتبار يوصي الآباء والأمهات بالعناية بأطفالهم منذ ساعة مجيئهم إلى الحياة وبملازمتهم على مدى سنوات أعمارهم، لأن الطفل منذ ولادته يتعرف على الإنسان التي سوف تحتضنه حتى نهاية عمره. وفي هذا السياق يطالب الآباء والأمهات أن يكونوا على مستوى تحمل المسؤولية التربوية.
وكتاب المذكرات هذا مملوء بالأمثلة التي تجعل عملية التربية، في كل مرحلة من مراحل الحياة، ضرورة لا بد منها إذا شاء المجتمع، أي مجتمع، أن يرقى إلى مستوى حضاري يكون المثل المحتذى به في حاضره ومستقبله. ومن هنا الهاجس الذي يملأ نفوسنا في سورية هذه الأيام، الحزن والقلق ونحن نشاهد كيف يستغل أطفالنا، لبراءتهم، من الأغراب الذين جاؤونا من أطراف الدنيا حاملين معاول هدم البشر قبل الحجر والشجر.
إن هذه المرحلة التي نعيشها في الوقت الراهن، هي المرحلة الأكثر حاجة إلى تنشيط عملية التربية، بدءاً من مرحلة الحضانة وصولا إلى مرحلة التعليم العالي، لأن أبناءنا اليوم هم أبناء المستقبل وثروته التي لا تعوّض، ولهذا الاعتبار ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أننا نواجه حرباً هدفها قتل العقل قبل قتل الجسد. في السياق المتصل نتذكر قول الكاتب الأميركي الساخر مارك توين (1835-1910) «إن البعض من البشر هم دوما ضد العقل عندما يكون العقل ضدهم». ولأننا ضد الهجمات الهمجية، علينا حماية عقولنا قبل أن يسبق السيف العذل.