مراجل الشرق تغلي على وقع لقاء بوتين ترامب
| أنس وهيب الكردي
إلى فيتنام تتطلع الأنظار حيث تقرر أن يعقد الرئيسان الروسي فلاديمر بوتين، والأميركي دونالد ترامب، اجتماعهما الثاني، في حين تغلي مراجل الشرق الأوسط.
وتمكنت قمة بوتين ترامب الصيف الماضي، في مدينة هامبورغ الألمانية، من إرساء هدوء بارد في الشرق الأوسط على مدار الأشهر الأربع الماضية، إلا أن هذا الهدوء تآكل مع تزايد حدة التوترات الإقليمية يوماً بعد آخر، لتحل محله عواصف شديدة.
القمة السابقة أدت إلى تهدئة على المستويين الدولي والإقليمي، ومهدت طريق حسم معركتي دير الزور والرقة، وأحد العوامل التي هددت تهدئة هامبورغ، تمثل في الرفض الإسرائيلي القاطع للاتفاق الروسي الأميركي، وأخذت حكومة بنيامين نتنياهو على عاتقها توتير الأجواء مع إيران وسورية وحزب الله، من خلال تصريحات استفزازية وخرق للأجواء اللبنانية والسورية، وقصف لمواقع عسكرية سورية في حماة وحمص.
ازداد قلق الإسرائيليين والسعوديين من نتائج حملة الجيش السوري وحلفائه في إيران والعراق ولبنان، بمنطقة البادية الشامية، واقترابهم من حسم مصير المدن الواقعة على نهر الفرات في محافظة دير الزور، وتخشى الرياض ومعها إسرائيل، من تشكل ممر بري يصل إيران بالعراق وسورية ولبنان، عبر الأنبار والبادية الشامية، يخضع لسيطرة القوى المتحالفة مع طهران في كل من سورية والعراق، وتعتقد الرياض مع كل من يقف خلفها أن إيران بذلك تكون قد اقتطعت لنفسها حصة وازنة في الهلال الخصيب، وحجزت لنفسها مقعداً فريداً على طاولة الكبار الملقى على عاتقهم إعادة بناء المنطقة في مرحلة ما بعد داعش.
هكذا، وبينما اضمحل داعش واقتربت حروب القضاء عليه من نهايتها في كل من العراق وسورية، بات نفوذ طهران الشرق أوسطي لا ينازع، وتوسع بشكل لم تشهده المنطقة في أي فترة من التاريخ الحديث.
لكن عدم الرضا السعودي أو الغضب الإسرائيلي على التحولات العميقة في ميزان القوى الإقليمي، لم يكن لهما وحدهما، أن يثيرا العواصف والتوترات التي تشهدها المنطقة، وإن كان هناك من عامل حاسم وراء تشكل تلك العواصف، فهو ترامب نفسه، أو بالأحرى إستراتيجيته الجديدة المعادية لإيران، التي أعلنها مؤخراً.
لقد صممت إدارة ترامب تلك الإستراتيجية من أجل التعامل مع نفوذ طهران الإقليمي المتضخم في مرحلة ما بعد داعش، وتكثف الإستراتيجية الجديدة، الضغوط الدولية والإقليمية بشكل متزامن على طهران وحلفائها، جاءت كحسم لجدل بيزنطي ما بين الولايات المتحدة على عهد الرئيس باراك أوباما من جهة، وحلفائها من جهة أخرى، على سبل التعامل مع إيران.
كان يمكن لقمة بوتين ترامب أن تكون مفصلية على طريق وضع تسوية شرق أوسطية لولا استعجال الكونغرس الأميركي فرض عقوبات جديدة على موسكو، ولما يجف بعد اتفاق الزعيمين بشأن إدخال جنوب غرب سورية إلى حظيرة «مناطق تخفيف التوتر»، ودفع تراجع الرهان الروسي على إمكانية تطوير العلاقات الأميركية الروسية في عهد الرئيس ترامب، بالكرملين إلى العودة لسلوك طريق العاصمة الكازاخستانية، والتعويل على شركاء بلاده في عملية أستانا وهم: تركيا وإيران، ومع اهتزاز نتائج قمة هامبورغ وانتعاش محور أستانا، أخذ التوتر الأميركي الروسي حول سورية بالتصاعد، خصوصاً بشأن مصير دير الزور.
التوتر، في الميدان حول مدينة دير الزور وفي الريف الشرقي للمحافظة، حيث تبادل الجيش السوري وتحالف «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية القصف، انتقل إلى أروقة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بشأن الملف الكيميائي السوري، كما تبادل كبار المسؤولين في وزارتي الدفاع الروسية والأميركية «البنتاغون» الهجمات اللفظية، وبلغ التوتر أقصاه عندما وجهت السفن الحربية الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط، والطائرات الإستراتيجية من المطارات الواقعة في الأراضي الروسية ضربات لتنظيم داعش في محيط مدينة البوكمال بريف دير الزور الجنوبي الشرقي في رسالة تحذير روسية للولايات المتحدة من الاقتراب من المدينة التي سبق لواشنطن أن أعلنت عزمها دعم حملة لـ»قسد» لطرد مسلحي داعش منها، ويبدو أن الإصرار الروسي المحموم على تطهير المدينة الحدودية مع العراق من الدواعش، كي تكون بين يدي بوتين خلال التفاوض مع ترامب في فيتنام.
بالرغم من ذلك، ومع تسارع الاستعدادات للقاء الزعيمين الروسي والأميركي، تراجع الأميركيون والروس جزئياً عن حافة التصعيد، وفعّلوا قنوات التفاوض من وراء الكواليس، وبدؤوا مناقشة إقامة مناطق تخفيف توتر جديدة في سورية، وتوافقت إعلانات المسؤولين الروس والأميركيين على تأكيد الرغبة في عدم التصادم ما بين الجانبين.
ستكون أمام الزعيمين على الأرجح في قمتهما، الفرصة متاحة من أجل إزالة فتيل التوتر الدولي في سورية، وذلك عبر الاتفاق على حزمة تتضمن مصير الجانب الشرقي من دير الزور، ومعسكر التنف خصوصاً والوضع في البادية الشامية عموماً، واتفاق جنوب غرب سورية، فضلاً عن «منطقة تخفيف توتر» جديدة قد تكون ما بين القنيطرة وجنوب شرق سورية، لكن التوافق الروسي الأميركي المحتمل حول سورية، إذا ما تحقق، لن يكون كافياً هذه المرة لسكب ماء بارد على التوترات الإقليمية أو تهدئتها، فهو وإن قبلته إيران وإسرائيل كاملاً، لن يعالج مسألة المسائل في المنطقة حالياً ألا وهو مستقبل حزب اللـه اللبناني.
لن يكون بإمكان ترامب وبوتين سوى تهدئة النار الإقليمية المشتعلة، وإذا توصلا إلى الاتفاق على ربط النزاع الإقليمي خلال الأسابيع القليلة القادمة، فسيكونان قد حققا أكثر من المتوقع.