«كاتب وموقف».. أول برنامج إذاعي ثقافي ما مصيره؟
| عماد نداف
في عام 1971 فاجأت إذاعة دمشق المثقفين السوريين ببرنامج حواري على مستوى يليق بالثقافة السورية، وكان ذلك من خارج الاستوديو، وقد يكون أول برنامج حواري إذاعي يقدم من خارج استوديوهات إذاعة دمشق، وهي وسيلة الإعلام الأشهر في ذلك الوقت والتي تملك شهرة عربية واسعة، وكان ثمة مقدم ومحاور جريء ومواجه يبرز اسمه مع البرنامج وهو صاحب الفكرة الإعلامي عبد الرحمن الحلبي.
كانت الحلقة الأولى مع الدكتور حسام الخطيب وعقدت الندوة في صالة مسرح القباني، وكانت فاتحة بُني عليها مجد هذا البرنامج الذي استمر حتى أيامنا هذه، حيث يفترض بإذاعة دمشق إشعال أكثر من خمس وأربعين شمعة له في عالم الإعلام الثقافي العربي الحالي الذي تتلاشى هوية أغلبية أدواته العربية ويتجه بعضها إلى المكاسرة وتدمير الثقافة والبناء على الفتنة والتأسيس لفكر مهزوم!
استضاف برنامج كاتب وموقف خيرة المثقفين والكتاب والفنانين والمبدعين ونسج معهم حوارات ساخنة تابعها مستمعو إذاعة دمشق باهتمام بالغ، وكان من بين هؤلاء:
أنطون مقدسي، وصباح قباني، والطيب تيزيني، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وفاتح المدرس، ويوسف الخطيب، وفارس زرزور، وسليمان العيسى، وشوقي بغدادي، وممدوح عدوان، وغسان السباعي، وعزيزة هارون، وفراس السواح، وعدنان البني، وعلي أبو عساف، وعلي الجندي، وعلي كنعان، وفؤاد شربجي..
وكان ثمة فنانون يصعدون إلى مائدة الحوار كغسان جبري وعلاء كوكش ومنى واصف وباسل الخطيب.
ويضيف عبد الرحمن الحلبي من ذاكرته إلى هؤلاء كلا من: عبد الكريم اليافي، زكي المحاسني، وداد سكاكيني، الدكتور إحسان النص، عمر النص، الدكتور حنا خوري، الدكتور بديع حقي.. ويقول: إن العناوين التي جمعت هذه القامات مع كاتب وموقف كانت بحجم القضايا الكبيرة التي يحملونها على الصعد كافة.
ليس هذا فحسب، بل إن قامات ثقافية عربية جلست على طاولة حوار كاتب وموقف، لتناقش وتحاور وتدافع عن مواقفها الثقافية، ونذكر منها أحمد عبد المعطي حجازي والشاعرة ملك عبد العزيز زوج الناقد العربي المعروف محمد مندور، أي باختصار ظهرت في برنامج كاتب وموقف صورة المثقف والكاتب والفنان وعالم الفكر والثقافة والنقد والفن والقصة والرواية والمسرح.
وكل ذلك جرى تشريحه من خلال وجهات نظر القامات الكبيرة التي كانت تشعل الحوار الثقافي السوري بكل أطيافه وألوانه وكانت تشعرنا بنجاح دور الإعلام الكبير في تفعيل الحوار الثقافي وإطلاقه نحو المستقبل.
وفي آلية الحوار، كانت تقوم فكرته على أساس إقامة مقارنات ووجهات نظر نقدية لموضوعات تشكل محور الندوة، ويكون صاحبها علما في الثقافة أو الفكر أو الفن أو الأدب، ويتحلق حوله محاورون آخرون قرؤوه أو عارضوه أو حتى أيدوه. وفي ذلك نوع من شفافية الحوار قل مثيلها.
كان البرنامج يسجل الندوات، ويقدمها للمستمع على عدة أجزاء، وكانت طريقة الحوار تثير المستمع وتجعله متأهبا لمتابعة الموضوع والانخراط فيه والتعرف إلى الجديد الثقافي، وكانت كل حلقة من حلقة الندوة الواحدة تقفل على ذروة ساخنة كنا نتوق للتعرف إلى بقيتها وإلى أين وصلت المواجهات الثقافية بين المعنيين بها.
ولأن البرنامج استقر أخيراً في المركز الثقافي العربي في أبي رمانة، فقد كانت قاعة المركز تنشغل بندواته بين يوم اثنين وآخر، وكانت القاعة تعج بالرواد وكأن الحوار الذي تبثه الإذاعة كان يثير عند مستمعيها الرغبة في حضور الحوار نفسه، وغالبا ما كان مواطنون عاديون يشاركون فيه ويدلون بما لديهم من وجهات نظر، وعندما يكسرون نواظم الحوار كان عبد الرحمن الحلبي يتدخل لإيقاف إسهابهم بحسم لأن الوقت في هذا النوع من الحوارات لم يكن قابلا للضياع.
ويعتبر برنامج كاتب وموقف من البرامج القليلة التي كتبت عنها الصحافة العربية، فما نشرته الصحافة المحلية من أصداء للحوار الذي كان يدور فيه، كان يمتد ليصل إلى الصحافة العربية لأن مستمعي إذاعة دمشق لم يكونوا فقط سوريين بل كان العرب جميعاً يعرفون أن الضروري إحالة مؤشر الراديو إلى إذاعة دمشق، وفيها برنامج كاتب وموقف.