الصفحة الأخيرة

عندما يكذب الرجال

|  حسن م. يوسف 

يكون الرجل مصيبة تمشي على رجلين، عندما يجمع في شخصه سوء الظن والفهم، والأنا المتضخمة إضافة لسرعة الاشتعال. غير أن الرجل يتحول إلى كارثة كونية عندما تجتمع فيه تلك الصفات مع القوة البدنية، ما يجعل مسيرته في الحياة أشبه بوجود الفيل في دكان الخزف، كيفما تحرك رسم خلفه خطاً من الدمار، وفتح أمامه جبهة من المشاكل والأخطار.
ذات مرة جمعتني المصادفة المشؤومة مع واحد من هؤلاء، في حين كنا ننتظر على باب أحد المطاعم الدمشقية المعروفة بلقمتها الطيبة وأسعارها المعتدلة. كان يقف مع زميل لي وشاب آخر لا أعرفه. ونظراً لأنني كنت بمفردي فقد كان من الطبيعي أن أبقى واقفاً مع الجماعة. روى الرجل نكتة بذيئة لرفيقيه فضحكا بصخب ونظراً لأن وجهي يخونني في كثير من الأحيان إذ تنطق تعابيره بأشياء ليس من المفيد قولها، فقد التفت الرجل نحوي قائلاً: «أنتم المثقفين لا يعجبكم شيء! لأنكم مثل (…) لستم من اللحم ولا من العظم». قلت له: «جوابي موجود ولكنه لا يليق بمقامك». فهم الرجل العبارة عكس دلالتها فانفجر بالغضب قائلاً: «مقامي أعلى من مقام أجدادك»، وهجم! ولولا وجود النشامى لتكسر الكثير من الخزف! يومها كان موعد مقالي الأسبوعي، ونظراً لأن الحدث المشؤوم أفقدني شحنتي تجاه كل ما لدي من موضوعات فقد لجأت إلى حكاية نشرتها بعنوان «شيء نازل من السماء».
اليوم أيضاً أجد شحنتي كئيبة لذا سأهرب منها لأروي لكم حكاية طريفة لا أذكر أين قرأتها.
في يوم من الأيام، في حين كان حطاب يقطع فرعاً من شجرة فوق النهر، سقطت بلطته في النهر. جلس الحطاب يبكي بحرقة لأن البلطة هي الأداة التي يكسب بها رزقه، وبينما هو كذلك ظهر له ملاك وخاطبه قائلاً: «لماذا تبكي أيها الحطاب؟»
أجاب الحطاب أن فأسه سقطت في الماء وهي الوسيلة الوحيدة التي يؤمن بها لقمة عياله.
أشفق الملاك على الحطاب وغطس في النهر، وبعد قليل خرج حاملاً في يده فأساً من الفضة قال الملاك للحطاب: «هل هذه هي فأسك»؟ أجاب الحطاب بانكسار: «لا». غطس الملاك مرة أخرى في مياه النهر، وبعد قليل طلع وهو يحمل فأساً من الذهب. سأل الملاك الحطاب: هل هذه هي فأسك؟ أجاب الحطاب بحزن: «لا» غطس الملاك في النهر مجدداً وبعد قليل خرج وفي يده فأس من الحديد، سأل الحطاب: هل هذه هي فأسك؟ فابتسم الحطاب وقال بفرح: «نعم هذه هي فأسي».
تأثر الملاك بنزاهة الرجل وصدقه، وكمكافأة له على استقامته أعطاه البلطات الثلاث. فذهب إلى بيته سعيداً!
ذات يوم في حين كانت زوجة الحطاب تحاول ملء جرتها زلت قدمها ووقعت في النهر وسرعان ما جرفتها أمواجه الهادرة. جلس الحطاب على شاطئ النهر يبكي، فظهر له الملاك وسأله عما يبكيه؟ أبلغ الحطاب الملاك أن زوجته قد زلت قدمها وابتلعها النهر. غطس الملاك في مياه النهر ثم خرج وهو يحمل صبية تشبه مارلين مونرو في عز شبابها. قال الملاك للحطاب: «هل هذه زوجتك؟» أجاب الحطاب دون تردد: «نعم هذه زوجتي».
قال الملاك باستياء: «أنت تغش وتكذب أيها الحطاب».
قال الحطاب: أرجو منك أن تسامحني فأنا لم أقصد أن أكون غشاشاً مخادعاً، كل ما هنالك هو أنني خشيت إذا ما قلت لك: إن مارلين مونرو ليست زوجتي، فسوف تغطس مرة أخرى وتخرج ومعك صبية أحلى منها، وعندما سأقول لك إنها ليست زوجتي أيضاً. ستغطس وتخرج لي زوجتي، وفي النهاية سوف تهب لي النساء الثلاث! وأنا أيها الملاك رجل عجوز لن يكون بمقدوري الاعتناء بثلاث نساء، ولهذا أجبتك بنعم عندما خرجت من الغطسة الأولى!
يا لنا نحن الرجال، ما أبرعنا في تبرير أكاذيبنا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن