الشاعرية تمنح الواقعية عمقاً درامياً يتحدى الزمن … د.رياض عصمت: يهدف الكتاب إلى مراجعة أفلام سينمائية متباينة لتسليط الضوء على مقاربات تناسب كل طراز
| سوسن صيداوي
منذ نشأتها، ابتعدت السينما عن المسرح تدريجياً، وخلقت لغتها الخاصة بها. في البدايات كانت السينما تنحو إلى تصوير عمل مسرحي الطابع، ولكن هذا النمط سرعان ما تم تجاوزه، وبالأحرى تجاهله منذ أيام تشارلي تشابلن وبستر كيتون وهارولد لويد، حيث طغت الحركة على الكلام. كذلك جرى في الأفلام الجادة الرائدة منذ فيلم «متروبوليس» 1927 للمخرج فريتز لانغ. لكن الطابع الدرامي للأفلام لم يتم التخلي عنه وتجاهله أبداً، بل أغناه مخرجون مثل ألفريد هتشكوك فيما بعد بمزج العنصر الدرامي بجمالية الصور، وإغناء الاثنين عن طريق الخيال. وللحديث أكثر عن السينما وتطوراتها أصدرت المؤسسة العامة للسينما كتاب «الخيال السينمائي» من تأليف د. رياض عصمت. جاء الكتاب بمئتين وستين صفحة، مقسماً إلى ستة فصول عالجت الإثارة والتشويق في السينما، الخيال الأسطوري، الخيال الاجتماعي، الخيال العلمي، سينما العواطف، واحتوى الفصل الأخير نماذج من السينما الهندية والإيرانية والفلسطينية. حرص الكاتب في فصول كتابه على استكشاف العلاقة الوثيقة بين دقة تصوير الواقع الراهن أو التاريخي والمستقبلي، وبين تمتّع المخرجين وكتّاب السيناريو كافة بخيال بصري خصب وخلّاق يقود المشاهدين إلى الاقتناع بالشخصيات والتوحد مع الأحداث في أي زمان ومكان، وهما من أسباب النجاح في الفن، وفي النتيجة الكتاب يُعنى بالشكل والمضمون معاً، ويحتفي بتنوع الأنماط والمدارس السينمائية في القرن الحادي عشر. والجدير بالذكر أن د. رياض عصمت القاص والمسرحي والناقد، عمل خلال أربع سنوات في معهد «بوفيت للدراسات العالمية» التابع لجامعة نورث وسترن، ما أتاح له أن يتابع عن كثب أحدث إنتاجات السينما المعاصرة في العالم، ويكتب سلسلة من المقالات عن أفلام أميركية وبريطانية وهندية وإيرانية وفلسطينية نجحت فنياً وتجارياً، إضافة إلى قيامه بتدريس الطلاب في قسم «الراديو والتلفزيون والفيلم» مادة كتابة السيناريو، وتدريس مواد أخرى في مجالي السينما والأداء المسرحي.
الأنماط السينمائية
أشار المؤلف في كتابه إلى أن هناك أنماطاً سينمائية عديدة متباينة، لكل منها رواد ومعجبون. ذكر منها على سبيل المثال:الواقعي، التاريخي، شبه التسجيلي، الوسترن، الحربي، الكوميدي، الميوزيكال، البوليسي، التشويقي، المرعب، الحركي، الخيال العلمي، الفانتازي. كما عدد تفرعات لها قد تكون ناجمة عن تزاوج نوعين، مثل البوليسي الكوميدي، الميوزيكال التسجيلي، الفانتازيا التاريخية. لكنه أشار إلى أننا سنجد في جميع الأنواع، منفصلة كانت أم متصلة، دوراً متزايداً للأهمية والحضور في عنصر الخيال، أي للصور المعبرة والمؤثرة الناجمة عن مخيلة بصرية خصبة. ذكر منها أفلام أنتجت في الألفية الثالثة مثل:ماكس المجنون، دكتور سترينج وجميعها من صنف الخيال العلمي، كذلك البؤساء الغنائي للمخرج توم هوبر اقتباسا عن رواية فكتور هوغو.
سمة شاعرية
برأي د.عصمت غربال الزمن أثبت أن السمة التي تكتسب بها بعض الأفلام الخلود هي السمة الشاعرية. متابعاً بأن العديد من الأفلام غدت متميزة في زمانها عبر نزعتها الطبيعية المغرقة في الواقعية، آفلة مع مرور الزمن، وبأنه بالمقابل صمدت أفلام واقعية أخرى رغم قدم عهد إنتاجها، لأنها حفلت بلمسات جمالية شاعرية وسط قتامة البؤس والمعاناة الإنسانية، مثل بعض أفلام إيليا كازان الشهيرة وخاصة «ترامواي الرغبة» و«فيفا زاباتا». مؤكداً المؤلف بأن الشاعرية هي ما يمنح الواقعية عمقاً درامياً وخلوداً يتحديان الزمن. أما الواقعية من دون شاعرية فمصيرها الأفول، لأنها تصبح آنية ومستهلكة ومملة. واستحضر المؤلف مثالاً عندما أدرك المخرج الكبير ديفيد لين تلك الحقيقة، فجمع في بعض أفلامه بمهارية بين سمتي الواقعية والشاعرية، مثل «لورنس العرب» و«دكتور جيفاكو» كما أدرك المخرج وودي ألن بين المخرجين المعاصرين ميزة الشاعرية في الفن وأتقن تضمينها في بعض أفلامه البارزة وعلى الأخص في «منتصف باريس» و«ياسمين أزرق».
الهدف من الكتاب
يهدف هذا الكتاب إلى مراجعة عدد من الأفلام التي تنتمي إلى أصناف سينمائية متباينة، بعضها تجاري، والآخر فني، سعياً إلى تسليط الضوء على مقاربات مختلفة للتخييل في السينما تناسب كل طراز منها. مشيراً د.عصمت إلى أن الفارق بين رؤية المشاهد العادية ورؤية الناقد أن الأول يخرج من الفيلم بشعور الإعجاب أو النفور، لكنه نادراً ما يستطيع تحديد السبب الكامن وراء إحساسه ذاك. أما الناقد فيستطيع بخبرته أن يسلط الضوء على جوانب فنية وتقنية تبرر للقارئ سبب إعجابه أو نفوره هنا أو هناك. هذا ما يأمل المؤلف تحقيقه من تحليل وتقييم أفلام عديدة الأنماط والمستويات. متابعاً بأنه على الناقد أن يتابع كل أنواع الأفلام بغض النظر عما يستهويه وألا يطلق حكماً عاماً عليه بل يتسم ذوقه باتساع الطيف. مضيفاً في الختام: إن التجربة علمته أن يؤمن بأن عدم الإعجاب بنوع معين من الأفلام هو أمر ناجم عن خيبة أمل تجاه نماذج فاشلة يعوزها الإتقان، على حين يأتي شعور الإعجاب والاستمتاع من خلال مشاهدة أفلام تمتعت بميزة الإتقان. وبأن السر هو السمة الجوهرية التي تحدد مدى النجاح وكذلك جاذبية أي فيلم من أي صنف لهذا الطراز أو ذاك من المشاهدين.