«حزب الله» اليمني
| عبد المنعم علي عيسى
في حمأة التصعيد السعودي على حزب اللـه ولبنان، وبعد إعلان الرياض إطلاق «الحوثيين» لصاروخ باليستي على مطار الملك خالد في الرياض في السادس من تشرين الثاني الحالي، كانت هناك العديد من التصريحات والمواقف التي ترقى إلى حدود إعلان الحرب من أولئك الذين أطلقوها، وربما كان من أبرزها، ويستوجب التوقف عنده، تصريح وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش الذي قال فيه: «إن خطر قيام «حزب اللـه اليمني» بات خطراً ماثلاً أمامنا»، وهو تصريح يحتوي على درجة كبيرة من الواقعية والدقة، لكن ليس بالمعنى الذي قصده قرقاش بالتأكيد.
ظهر حزب اللـه اللبناني في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، واستمد مشروعيته عندها من الشعارات التي أطلقها وأعلنها على الملأ وهي تقول: إن الحزب هو إطار لشريحة أرادت أن تضطلع بالمهمة التاريخية الملقاة على كاهلها عبر قيامها بمحاربة الاحتلال ودحره عن الأراضي اللبنانية، حيث سيشكل قبول الاضطلاع بتلك المهمة الظرف الموضوعي لولادة الحزب، على حين إن الظرف الذاتي توافر آنذاك بوجود شريحة من الناس كانت ترى أنها تعيش، والرؤية هنا تلعب دور الحقيقة التاريخية بغض النظر عن مدى صحتها أو خطئها، مظلومية أزلية معينة، وفي الآن ذاته كانت ترى أن الظرف بات مناسباً لرفعها متمثلة قول الإمام الحسين: «هيهات منا الذلة».
كان ذلك بالتزامن مع وجود خارج يرى مصلحة له في دعم تلك الظاهرة، الأمر الذي مكنها من الاستمرار والتنامي حتى جاءت في رأس التهديدات التي تواجه الكيان الإسرائيلي، كما جاء في التقرير الصادر عن تل أبيب عام 2016، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، النظر إلى دعم الخارج هنا، على أنه ارتهان له، وما من حركة تحرر أو تغيير أو انقلاب، استطاعت أن تقوم وتستمر أو تحقق أهدافها، إلا بوجود دعم خارجي، وهي أصلاً حتى عندما تكون جنيناً سيكون لزاماً عليها تلمس دعم الخارج الإقليمي أو الدولي على حد سواء انطلاقاً من القوى التي تتلاقى معها في الأهداف أو في الإستراتيجيا، وفي مطلق الأحوال فإن توصيف علاقة الداعم بالمدعوم غالباً ما تكون عملية شديدة التعقيد أو هي تحتاج إلى الإلمام بكل الدقائق والتفاصيل التي تحكم تلك العلاقة، وهو أمر نادر أو مستحيل الوجود ولذا فإن من حق التاريخ وحده الحكم على تلك العلاقة أو توصيفها.
المهم هنا أن شرطي التكوين الموضوعي والذاتي، قد تحققا في لحظة راهنة وكانت الولادة، من دون أن يعني أن هذا السيناريو لا يقيم اعتباراً أو أهمية للمراحل التي مر بها الوليد، فقد كانت هناك العديد من المحطات التي جاءت لتدعم ذينك الشرطين مثل تحرير الجنوب في أيار 2000 وحرب تموز العام 2006.
اليوم يشكل العدوان السعودي على اليمن منذ 24 آذار 2015 والمظلومية التي يعيشها الشعب اليمني الذي عرف الجوع والكوليرا، بعد أن ظن العالم أنه قد اجتثها منذ ستينيات القرن الماضي، الظرف الموضوعي المثالي لنشوء حزب اللـه اليمني، في ظل غض أبصار العالم عن الجرائم التي ترتكب في اليمن، ما يطرح العديد من إشارات الاستفهام، أما الشرط الذاتي فيمثله حالة القصف والتدمير على مدى 30 شهراً أو يزيد التي استولدت شرائح واسعة باتت تمتلك العزم والكفاءة والقدرة على تطوير قدراتها بعد أن ثبت لديها بأن «ما من شيء يحك جلدك سوى ظفرك».
من المؤكد أن تلك الحالة قد لاقت دعماً خارجياً وهو قابل للتنامي في ظل حالة التباعد الحاصلة ما بين القوى والمصالح لشعوب المنطقة، والآن: تشير حالة إطلاق الصاروخ اليمني على الرياض، إلى وجود مكون يمني يرى أن التصدي للعدوان وإيلامه هو وحده الكفيل بردع المعتدين ودحرهم عن البلاد، كما تشير إلى أن ذلك المكون هو في طريقه لامتلاك ناصية القوة عبر استنساخ التجربة اللبنانية في دحر العدوان، وفي هذا السياق فإنه من الجدير والمؤكد ذكره أن السعودية هي التي وفرت شرطي حدوث الولادة.
السعودية إلى اليوم، لا تدرك أن الظرف الموضوعي الذي استولد تنظيم القاعدة كان يتمثل في الطريقة التي تعاملت بها الرياض مع ظاهرة «جهيمان العتيبي» الذي قام بالسيطرة على الحرم المكي الشريف يوم 20 تشرين الثاني عام 1980 قبل أن تقدم هي، أي الرياض، على استقدام قوات باكستانية وفرنسية كانت قد استخدمت مختلف صنوف الأسلحة، للقضاء على قوة لا يزيد تعدادها على 200 مسلح، على حين أثبتت الوثائق لاحقاً أن أمر القتال المعطى لتلك القوات كان يقول بوجوب إنهاء التمرد بأسرع وقت ممكن حتى ولو اضطر الأمر إلى تدمير المسجد فوق مصليه الذين كانوا يبلغون ما يزيد على مئة ألف مصلٍّ كان المسلحون قد احتجزوهم وأجبروهم على المبايعة.