كيف يمكن تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتوعيتها لأهمية مشاركتها في مختلف النشاطات الهادفة لبناء المجتمع؟كيف يمكن تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتوعيتها لأهمية مشاركتها في مختلف النشاطات الهادفة لبناء المجتمع؟أبدعي في العمل وافتحي أبواب عقلكللثقافة.. والتجربة علم بحد ذاتها
| طرطوس- سناء أسعد
المرأة مخلوق يضج بأسرار الحياة الغامضة، بل هي ذلك الغموض الذي يتوق الجميع لاكتشافه والغوص في أعماقه، لمعرفة ماهية كينونتها الخاصة التي يصعب تفسيرها ممن يجهل كيف يأسر قلبها، ويقدر طريقة تفكيرها ويحترم أسلوبها في التعاطي مع كل ما يخصها، ولاسيما عندما تمزج أنوثتها بقوتها وتنوي ربط أمومتها برحم الحياة بعد أن تسكنه داخل أحشائها لتولد من صلبها كل المعادلات التي يصعب توازنها من دون بصمتها الخاصة.في عالم المرأة كل شيء مختلف، حتى هي لا تشبه نفسها عندما تتعامل مع كل مايثار ويدور حولها من أحداث. ففي كل مرة تطرق أبواب ذاتها بروح مختلفة مجبولة بأحاسيس متنافرة متقاربة خليط من التمرد والرقة، من التردد والجرأة، من الحنان والصلابة، فعندما تفهم أمومتها تعجز عن فهم طفولتها، وتعجز عن فهم قوتها عندما تضيع في معالم أنوثتها وخاصة إذا كانت أنثى تتقن دلالها لنفسها عندما لا تجد من يدللها.لكن وفي كثير من الأحيان تظلم المرأة نفسها وتدفن كل مافي داخلها من قدرات ومواهب لمجرد إيمانها بمعتقدات خاطئة واقتناعها بتقاليد بالية، فيصيبها الضعف والعجز وتتحول مع الزمن إلى مخلوق مهمش، على حين كان بإمكانها أن تكون امرأة فاعلة في المجتمع ذات مكانة قيمة رفيعة المستوى، تقول وتفعل وتقترح حلولاً لأكبر المشاكل وأكثرها صعوبة فما دورنا في هذه الحالة؟ وكيف يمكن تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتوعيتها لأهمية مشاركتها في مختلف النشاطات الهادفة لبناء المجتمع؟وإلى أي درجة تسهم تنمية قدراتها العلمية واكتسابها لمهارات جديدة في زيادة تلك الثقة وتفعيل ذلك الدور؟المرأة ليست مخلوقاً ضعيفاً
أهم ما يجب أن تقتنع به المرأة بداية أنها ليست ذلك المخلوق الضعيف كما يقال لها وكما اقتنعت، فالضعف المقصود هنا لا يعني أبداً العجز وعدم القدرة، وإنما دلالة على إحساسها المرهف الرقيق الذي تتميز به ويضفي سحراً وجمالية خاصة على جميع أقوالها وتصرفاتها، هو باختصار قدسية إحساسها وما يدور في فلكه من مشاعر وعواطف من دون أن يلغي قدسية عقلها وما يجوب به من أفكار وقدرات، بل إن العقل يسهم بإخراج إحساسها الأنثوي إلى الملأ إخراجاً صحيحاً وكل منهما يعتبر جواز سفر للوصول إلى الآخر، وتكاملهما يجعل منها امرأة ناضجة قادرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات السليمة، ولاسيما عندما تجد أنها في مواجهة ظروف طارئة، ويفتح آفاقاً جديدة في عالمها يجعلها تنظر إلى نفسها كسيدة تتقن فن المواجهة وتطويع الظروف الصعبة لخدمتها لا للنيل منها.فالمرأة ليست مخلوقاً ضعيفاً بطبيعتها، وإلا فما كان أوكل لها كل هذه المهام والواجبات ووقع على عاتقها مسؤوليات لا تعد ولا تحصى، بل تلك العادات والتقاليد وتلك القيود التي يكبلها بها البعض ممن يرفضون بروز دورها وبلورته على أرض الواقع، هم من يجعلون منها مخلوقاً ضعيفاً وعاجزاً ويدفنون بذلك كل ما لديها من إمكانات وقدرات ومواهب ما يسهم في ضمور عقلها بدلاً من نموه وتطوره، وحجز فكرها في قوقعة مظلمة فتبقى حبيسة أفكار بالية متخلفة لتكون تابعة وليست سيدة.ولذلك نرى أن عدداً لا يستهان به يقنع بأن دورهن في الحياة يقتصر على كونهن زوجات، وجدران المنزل عالمهن الوحيد وخارجه لا مكان مهماً يمكن أن يقمن به.. فيصير همهن أن ينجزن واجباتهن المنزلية بأسرع وقت ممكن. وهنا تكمن الكارثة الأكبر وتكمن مسؤوليتنا الكبرى وواجبنا المقدس لإخراجها من سجن تلك القناعة الظالمة التي لن تودي بها إلا إلى التهلكة.
تعلم المرأة أول خطوة ثقةوأول خطوة شعور بذاتهامن دون تعلم المرأة لا يمكن أن تحقق ما تطمح له ولا يمكن تحسين مستوى وعيها وتنمية ذاتها، فتعلم المرأة هو الخطوة الأولى لتحرير فكرها وإطلاق العنان لإبداعاتها ولطاقاتها الكامنة، أول خطوة ثقة، وأول خطوة شعور بذاتها وبما تملكه من إمكانات وقدرات، كما سيزيدها عظمة ويرفع من شأنها إلى حيث تطمح وأكثر إذا كان علماً مقروناً بالثقافة والوعي والإدراك، فإن قررت يثق الجميع بقراراتها، وإن تعثرت فحتما لن تسقط، وإن ضعفت فلن يكون ضعفها إلا حافزاً لجعلها أكثر قوة وصلابة، أي في هذه الحالة لا تتعزز ثقة المرأة بنفسها وحسب بل ثقة الآخرين بها أيضاً، فهي امرأة لها مكانتها الاجتماعية لا تقبل بتمثيل دور واحد بل تبدع بإتقان جميع أدوارها، امرأة طموحة تسعى للارتقاء والسمو بعقلها وفكرها إلى حيث لا حدود للتنمية وللتطور والتجدد، وكلما انتقلت إلى مرحلة جديدة اكتسبت مهارات أكثر وزادت ثقتها بقدراتها وزادت رغبتها في التحدي، تحدي نفسها قبل تحدي من حولها، لأن شعورها بذاتها يخلق جواً من الإيجابية والتصالح مع نفسها ومن ثم التصالح مع محيطها الذي سيلتمس هذه الإيجابية بكل فصولها ومفاصلها حتماً.فالمرأة المتعلمة والتي تتمتع بقدر كبير من الوعي والإدراك والملمة بثقافات عديدة ومتنوعة هي امرأة لا تخشى الخيارات الصعبة، بل هي الأقدر على خوضها والغوص في عمقها لأنها متأكدة من نجاحها وتفوقها.. وهذا الشعور بذاته هو أكبر إنجاز تحققه المرأة وهو الذي يجعلها منتصرة دائما.
التجربة علم بحد ذاتهالإنجازات لا تتحقق لمجرد قناعة المرأة أنها ستحققها بل لابد من العمل والاجتهاد والمثابرة للوصول إلى ما تسعى إليه، وأن تخوض غمار التجربة لو مثل لها الأمر أنه مغامرة مجهولة النتائج، فلابد أن تقترن الرغبة في الإرادة والنية بالعمل، وإذا كان العلم الذي يفتقد لثقافة ترتقي بالعقل وتحلق به إلى أقاصي المعرفة فهو علم يتيم، فإن القدرات التي لا تتم تنميتها وتدعيمها بمهارات جديدة هي جهل أحمق بالتأكيد، فلا بد أن تحرص المرأة على وجودها في ميدان العمل في مختلف مجالات الحياة، ومهم جداً ألا تنظر إلى العمل نظرة تأفف وترى فيه مجرد وظيفة روتينية مملة أجبرتها الظروف المعيشية الصعبة عليها، لأن هذا الإحساس سيقتل طموحها ويشل قدراتها بدل تطويرها، فالعامل النفسي للمرأة وغيرها له دور كبير في كسب الثقة أو انعدمها ولاسيما إذا كانت محاطة بعيون تنظر إليها نظرة تقليدية تستهجن في كل لحظة مكانتها وتهزأ من قدراتها.لذلك يجب على المرأة أن تواجه تلك النظرة بالإبداع في عملها وعدم الاكتراث إلا لما ستحققه وتنجزه، وألا تستسلم لما يحجم دورها ويحجزها في سجن اللا خيارات واللا تجارب واللا محاولات واللا إنجازات، فالتجربة علم بحد ذاته وعدم الوصول إلى الهدف لا يعني الفشل أو الخسارة، وإنما من شأنه أن يكسبها خبرة تضاف إلى بنك معلوماتها التي تؤهلها تأهيلاً صحيحاً، وتعدها إعداداً كفيلاً لتكون امرأة غير تقليدية ترفع من سقف طموحاتها وتجعل رغبتها في التحدي هوية لكل ما تقوم به من أعمال، فقوتها لا تلغي أنوثتها وسعة ثقافتها ولا تطفئ نور جمالها، كما أن جرأتها لا تعني أبداً تجاوزها للحدود.
تنمية المرأة جزءمن التنمية البشريةإذا أردنا بناء وتنمية مجتمعنا تنمية صحيحة متكاملة لا بد من تنمية الإنسان وتنمية فكره وعقله. وتنمية المرأة تعتبر جزءاً من التنمية البشرية التي تشكل أهم عناصر تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في جميع المجتمعات التي تسعى لتحقيقها، وإشراكها إلى جانب الرجل بمختلف النشاطات الهادفة لبناء المجتمع وتطويره، وتوسيع حضورها في ميدان العمل ضرورة وحاجة ملحة، لكن تفعيل هذا الدور لم يأت بمحض المصادفة بل يتطلب توفير الظروف المناسبة وتأهيل المرأة وتدريبها ما يضمن اكتسابها لمهارات جديدة تضاف إلى علمها وثقافتها وإرادتها، إضافة إلى توعيتها لأهمية تنمية قدراتها وتوظيفها في المكان الصحيح بعد تذليل كل الصعوبات التي تعوق تنمية وتطوير تلك القدرات سواء أكانت الثقافية أم الاجتماعية أو الاقتصادية، وتشجيعها للانخراط في كل ما يسهم من جعلها امرأة متميزة قادرة فاعلة ويساعدها على التأقلم والتكيف مع جميع مستجدات ومتغيرات العمل العلمية والتكنولوجية، وعدم التردد بالالتحاق بالدورات التدريبية التي تقام لأجل هذا الغرض.
ختاماًمكان المرأة ليس في البيت فقط، كما أن مهمتها لا تقتصر على ما تحصل عليه نتيجة التقسيم التقليدي للأدوار من باب الاقتناع أنها أقل شأناً وقيمة من الرجل.وهنا يبدأ دور وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية في نشر ثقافة وعي المرأة وإدراكها لأهمية دورها، إضافة إلى تلك الندوات والمحاضرات التي تغني روح المرأة بكل مايحترم ذاتها ويحميها من التشتت والضياع. لتكون ذلك الكون الصغير الذي يستوعب ويحتضن بين ذراعيه هذا الكون الكبير.فإذا كان مفتاح قلب المرأة الحب فإن مفتاح وجودها هو ثقتها بنفسها، وإذا كانت مشاعرها نقطة ضعفها فإن قوتها تكمن في فكرها وصبرها وعقلها.تأكدي أيتها المرأة أنك قادرة على العطاء من حيث لا يتوقع الجميع، وأنك ذلك المخلوق اللين الذي لا يعرف الانكسار، وكل ما عليك أن تخلعي ثوب الخنوع والكسل لتبتكري وتبدعي في العمل وتفتحي أبواب عقلك لمختلف أنواع الثقافات، فكما يتحمل قلبك الكثير فإن عقلك يستطيع أن يحمل أكثر مما تتوقعين وبإمكانه ترجمة كل ما يحمله كيفما تريدين، وتأكدي أنك بفكرك النير تمتلكين كل مقومات النجاح.