أثر وسائل التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام الكلاسيكية
| أحمد محمد السح
تبدو وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هي المسيطر الافتراضي الأقوى على حياتنا اليومية، دفعت بجميع معاديها إلى وجود صفحات شخصية أو عامة لديهم ليترافقوا مع معطيات هذا العصر، فخلال عشرين عاماً حيث يعود أقدم موقع تواصل إلى العام 1995 (المعروف باسم CLASSMATES. COM) تمكنت هذه الوسائل من إحداث تغيرات نوعية على المستوى التقني للبرمجيات، وعلى مستوى حياة الناس اليومية لتتحول إلى مصدر رئيس للخبر.
وتكتسح قطاع الإعلام الذي صار واجباً أن سميه «كلاسيكياً» من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون، ما اضطر الوسائل الكلاسيكية تلك إلى إيجاد منابر لها على مواقع فيسبوك وتويتر وتيلغرام وسواها بمستويات مختلفة من التواصل والتفاعل، منها عالٍ ومنها منخفض حسب الوسيلة وقناعة مديريها بجدوى السوشيال ميديا وإن أبدى الجميع خضوعهم لهذه التقنية اليافعة، فمثلاً تعدّ BBC هيئة الإذاعة البريطانية من أقدم الإذاعات في العالم لكنها يومياً تسعى إلى التعرف إلى أعلى الوسمات / الهاشتاغات انتشاراً وتقرأ منها في نشراتها وفواصلها، كما أن قناتها على تياغرام كانت قبل أشهر لا تتجاوز 9 آلاف مشتركاً ما اضطر الإذاعة إلى زيادة مراسلاتها عبر القناة بطريقتها الخاصة ليرتفع العدد إلى ما يزيد على 20 ألفاً وهو عدد ما يزال منخفضاً قياساً إلى قوة الإذاعة عالمياً. عدا قيام الشخصيات المشهورة في مختلف المجالات بإيجاد منصات لهم في السياسة والاقتصاد والرياضة والأكثر في مجال الفن وإن كان أغلب الفنانين يفضلون الارتماء في حضن الانستغرام لكونه موقعاً للصور يحافظ على صورتهم الجميلة ويخفي مشكلاتهم الفكرية في عالمٍ يمور بالمشكلات بعد أن أودى تويتر على سبيل المثال بصورتهم في ذهن عدد من المتابعين.
يستخدم معظم أقنية التلفزة والإذاعة المحليّة والعالمية أسماء برامج تلفزيونية ذات علاقة بالتكنولوجيا والميديا منها مثلاً شباب. COM في الفضائية السورية و@HOME على قناة سما، كما يلاحظ أن مقالاتٍ صحفية تكتب في الصحف الرسمية أو الخاصة، تعتمد في جذرها على ما يحدث من فورات على فيسبوك أو تريندات على تويتر، فجريدة «الوطن» السوريّة مثلاً تفرد صفحة تسميها ثرثرة فيسبوكية بين حين وآخر، كما أن صحفيين كباراً يدلون بآرائهم في الصحف حين تتحول إحدى الحالات إلى قضية رأي عام، فيتكئون على وسائل التواصل الاجتماعي لتكوين استقراءات دلالية عوضاً عن الإحصاءات الدقيقة.
فما الهدف منه؟ وهل يعدّ هذا ضعفاً أم إنه تألق من وسائل الإعلام الكلاسيكية؟
تقول المذيعة زينة السعيد مقدمة برنامج استروبيا على إذاعة المدينة fm:
«تكمن الأهداف في اعتماد البرنامج على الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، (لكون البرنامج فنياً) فإنه يعطي مزيداً من المصداقية بين الفنان وصاحب السؤال، ويمكننا ذلك من مخاطبة أكبر شريحة ممكنة عبر السوشيال ميديا، لأننا يجب أن نواكب العصر، فمن يقاطع وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام يفشل! كما أن الفنانين جميعهم من دون استثناء لم يعودوا يطلبون الظهور على وسيلة إعلامية ما لإعلان خبر حولهم، إنما يعتمدون منابرهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مع تأكيد أننا لا نعتمد على الصفحات بشكل كامل إنما نجري اتصالاتنا ويكون لنا مصادرنا الخاصة للحصول على الخبر».
ومن جانب التلفزيون يقول معد برنامج «حديث الناس» على الفضائية السورية حسين إبراهيم:
«إن الهدف من الإطلالة من خلال التلفزيون على وسائل التواصل الاجتماعي هو توسيع شريحة المتلقي، لأن الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي يتيح لنا التواصل مع الناس الذين لا يقفون أمام التلفزيون، أو يعانون قطع التيار الكهربائي وغير ذلك. في الأصل البرنامج يعتمد نموذج دمج المكونات الإعلامية أي إنه إضافة إلى التواصل عن طريق صفحة الفيسبوك ـ يتواصل مع جمهوره من خلال تطبيق تيلغرام ومن خلال الاتصال الهاتفي والبريد الإلكتروني والتقارير والاستطلاعات الميدانية. أهمية شبكة التواصل الاجتماعي لبرنامج تلفزيوني تكمن في أنه ينقلك إلى الشخص- الهدف أي إن صاحب العلاقة في الموضوع المطروح هو الذي يتحدث وهنا نصل إلى الحد الأعلى من المصداقية ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي يمكن للمتلقي أن يزيد من فعاليته من خلال إرسال الصور والوثائق وحتى الفيديو وهنا تكتمل الحلقة الإعلامية بين المرسل والمتلقي».
يتصفح أغلب الناس وسائل التواصل الاجتماعي مراتٍ عدّة في اليوم، وكثيراً ما تقع آراؤهم في تناقضات متعددة حول حالةٍ لا تلبث أن تتحول إلى قضية رأي عام مهما بلغت أهميتها أو تفاهتها فنذكر مثلاً أن تفاعل السوريين مع المنتخب الوطني ومبارياته بلغ أوجه على سوشيال ميديا، سابقاً متجاوزاً كل وسائل الإعلام. كما حصل أيضاً في حالة سجال طويل حول فنانة شابة والسخط الذي لحق بها عبر سوشيال ميديا إثر موقفٍ لها في إحدى حفلاتها (هذه الفنانة نفسها ولدت فنيّاً عبر فيديو من خلال يوتيوب) فكثيراً ما تسبب هذه الوسائل رافعة لأشخاص وأفكار ولكنها في الوقت نفسه تتجه لتدميرهم في أبشع صورة.
فهل بات العيب في وسائل الإعلام الكلاسيكية أو في بنية الإنسان نفسه؟ وإلى أين سيذهب هذا الإعلام مستقبلاً؟
الدكتور مجدي الفارس المتخصص في علم نفس الإعلام في جامعة دمشق يجيب عن هذه التساؤلات.
«تحتاج وسائل الإعلام الكلاسيكية إلى مراسلين منتشرين في جميع المناطق مع شبكة تواصل دائمة، على حين تتمكن وسائل التواصل الاجتماعي عند نقل الأخبار من تحقيق الإثارة، والمقصود بها كل ما هو جديد وسريع الإيقاع، فالخبر يصل من دون رتوش بعيداً عن الصياغة ومقص الرقيب، فكثيراً ما تذهب إعادة بناء الخبر بعيداً بالرسالة عن حقيقتها، ويفقد مقص الرقيب حداثة الخبر وعفويته وكثيراً من مصداقيته، وإن كان هذا خطأ في مفهوم عرف الإعلام بسبب وصول فبركات ناجمة عن شبكة مراسلين غير مهنيين، لكن كم من الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد تحيط بالمعلومة كاملةً ومن عدة جهات على حين قد نحصل على 5% فقط من المعلومة عبر خبر في وسائل الإعلام الكلاسيكية.
إن ما يحدث من تطورات في الإعلام بسبب السوشيال ميديا ليس انتهاءً للإعلام الكلاسيكي إنما تسليم راية لإعلام جديد، وهذا تقدّم طبيعي ولكنه يحتاج إلى ضبط وضرورة التوجه إلى قيادة الإعلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن دائماً ثمة شعور في ضعف بالقدرة على إدارة هذا المورد الإعلامي الكبير».
يسعى معظم وجهات النظر الحادة في بلداننا إلى تحويل أي حالة إلى معركة عناصرها النوستالجيا والرفض، للوصول إلى تحزّبات تؤدي بالضرورة إلى خسارة الجميع. ما يحدث اليوم ومنذ سنوات عبر تويتر وفيسبوك وإنستغرام وتيلغرام وVk وغيرها الكثير هو انقلاب مفاهيمي جميل ومبهر وهو حاصلٌ رغم إرادة الجميع حتى يحدث انقلابٌ آخر يليه، وعليه فإن جعل وسائل التواصل الاجتماعي شريكاً مرناً في الإعلام ليس عيباً، لكن العيب هو الانغلاق والجمود.