الموسيقا مهنتي الأولى التي أحبها وأعشقها ومستمرة بها … حنان ساره لـ«الوطن»: يجب أن يكون الموسيقي ملماً بالدراما لأن مهمته المزج بين الموسيقا والدراما
| سارة سلامة
بحبها وقلبها وطموحها الكبير ما يلفت الانتباه، فهي المعدة الموسيقية المتعددة المواهب ولكن يبقى الإعداد الموسيقي هاجسها الأكبر والمهنة التي لا يمكن أن تتخلى عنها، فهي إنسان موهوبة وملأى بالطاقة التي تدفعها لتقدم الكثير.. حنان ساره من حلمها الطفولي بالرسم إلى شغفها بالمسرح نراها اليوم معدة موسيقية وفي حصيلتها حتى الآن أكثر من خمسين عملاً، وكان الأقرب إلى قلبها «طالع الفضة»، أما الذي حقق لها الانتشار الأكبر فهو عمل «صرخة روح».
كما نراها تطرق باب الإخراج عبر أول فيلم مدبلج للغة السريانية المحكيّة بعنوان «رحيل» وهو أنشودة ترنّم للمحبة، وهذه الأنشودة لا تقف هنا بل هي سلسلة «روح» باللغة الآرامية و«رحم» باللغة الآشورية، تسعى من خلالها لنشر الإيمان والمحبة والرجاء، مركزة على اللغات القديمة لأنها تعتبرها جزءاً من حضارتنا الممتدة سبعة آلاف عام وواجب علينا كشبان سوريين نشرها في كل أنحاء العالم، وعن آمالها وأحلامها وطموحاتها وجديدها وتطلعاتها تفتح لنا حنان قلبها في هذا الحوار..
في البداية تحدثي لنا عن انطلاقتك في مجال الإعداد الموسيقي؟
في طفولتي كان حلمي الدخول في مجال الفنون الجميلة لأنني أمتلك موهبة الرسم وكنت قد نلت المركز الثاني على مستوى القطر في الرسم، كما أن شغفي في المسرح دفعني للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية اختصاص إضاءة مسرحية قسم تكنولوجيا المسرح، وكنت من الدفعة الأولى التي تخرجت في القسم عام2011، ووقع اختياري على هذا الاختصاص لأنه باب من أبواب الإخراج، لأن في سورية ليس لدينا دراسة أكاديمية في الإخراج، وهذا إضافة لدراستي إدارة الأعمال، ودفعتني دراستي لتكنولوجيا الصوت في السنوات الأولى قبل الاختصاص في المعهد العالي للفنون المسرحية إلى الإعداد الموسيقي وساعدني في ذلك أنني كنت قد تعلمت منذ طفولتي العزف على آلة الكمان وفي وقت متقدم تعلمت على آلة القانون وقمت بجمع الغربي مع الشرقي، وحينها رغبت في الدخول باتجاه الإعداد الموسيقي لأنه يجمع بين الدراما والموسيقا، وأنا الآن أعمل به وأصبحت في الموسم الرمضاني الثامن وفي رصيدي ما يقارب الخمسين مسلسلاً مع كبار المؤلفين الموسيقيين.
مع كل هذه الميول والمواهب أين تقف حنان؟
في الحقيقة مواهبي متعددة ومنها أيضاً الإخراج الذي اخترته لأوصل رسالة عن الحضارة السريانية لأن من واجبنا نشر هذه الحضارة كل ضمن مجاله واختصاصه وأنا كفنانة هذا هو هدفي، فالحضارة القديمة تشكل جذورنا وهويتنا وكان من الصعب أن أضع هذه البصمة في الإعداد الموسيقي، لذلك دخلت الإخراج ولكن الموسيقا مهنتي الأولى التي أحبها وأعشقها ومستمرة بها.
من ساندك وعلمك في مجال الإعداد الموسيقي؟
استاذي الأول الذي علمني التذوق والتأليف الموسيقي هو الموسيقار رعد خلف، أما بدايتي فكانت مع رضوان نصري عام 2010 وبعدها تطورت موهبتي وخبرتي واجتهدت أكثر، ومن ثم عملت مع سمير كويفاتي، وطاهر مامللي، وإياد الريماوي، وفادي مارديني، وماهر غلاييني، كما عملت مع مؤلفين لبنانين منهم ناصر الأسعد، باسم رزق ولكل منهم أسلوبه الخاص والمختلف فيه عن الآخر فكل يمتلك أسلوبية وآلية معينة وكان يترتب عليّ فهم كل منهم لنصبح روحاً واحدة وهذا ما أعطاني خبرة فنية كبيرة جداً وحملوني كلهم ثقة كبيرة.
ما الأعمال التي حملها اسمك؟
أول عمل باسمي كان «أيام الدراسة»، تلاه أعمال درامية عديدة مثل «طالع الفضة»، «سوق الورق»، «قيامة البنادق»، «مدرسة الحب»، «صرخة روح»، «بقعة ضوء»، «في ظروف غامضة»، «الضياع في حفر الباطن»، «قمر شام»، «الأميمي»، والأقرب إلى قلبي بينها ووضع بصمتي بشكل مميز عمل «طالع الفضة»، ولكن العمل الذي قدمني للجمهور وأخذ نسبة مشاهدة كبيرة هو «صرخة روح».
من المعد الموسيقي؟
المعد الموسيقي هو المخرج الخامس للعمل بعد كاتب السيناريو، والمخرج، والمونتير، والمؤلف الموسيقي، يأتي المعد الموسيقي بمركز الإخراج الخامس لأي عمل درامي، والمعد الموسيقي يجب أن يكون موسيقياً وملماً بالدراما لأن مهمته الأساسية هي توظيف الموسيقا التصويرية الملحنة مسبقاً على المشاهد الدرامية وفي لحظة ما يمكن أن نراه موزعاً.
في فيلم «رحيل» اعتمدت على اللغة القديمة، هل تبحثين عن الاختلاف أم لإعادة إحياء هذه اللغات؟
بما أنني فنانة سورية واعية وغيورة على بلدي كان خطي الفني والمهني هو الحضارة السريانية ومن واجبنا كشبان سوريين أن نعود لجذورنا وهويتنا الأصلية ونساهم في نشر هذه الحضارة، ولم أرغب في التطرق لموضوع الحرب والأزمة لأني أؤمن بأن الفن يجب أن يكون للفن، واخترت اللغة القديمة لأنني رغبت في جمع كل خبراتي التي اكتسبتها خلال هذه المرحلة المهنية، ولأنني معدة موسيقية أحببت أن أوضح من خلال رسالتي الخاصة أهمية التأليف الموسيقي وكم له تأثير مثله مثل الصورة والنص، ولاحظنا أن الموسيقا والتأليف الموسيقي كانا عنصراً أساسياً في «رحيل» حيث الموسيقيون كانوا ممثلين حقيقيين، والتأليف الموسيقي له عدة سمات والسمة الأولى هي البيئة، أي إن الموسيقا تتبع بيئة العمل، إن كان تاريخياً نختر أدوات قديمة خاصة بالحقبة الزمنية أي نختار التيمة التي تناسب كل بيئة وإن كان معاصراً نختر أدوات عصرية، و«رحيل» هو أنشودة سريانية عدت من خلاله للبيئة والحضارة السريانية، واخترت التخت الشرقي، والسمة الثانية للتأليف الموسيقي هو رمزية كل آلة ونرى أن المؤلف الموسيقي لا يختار آلة بشكل عبثي وكل آلة لها هدف رمزي.
من أين أتت فكرة «رحيل»؟
كتبته منذ أن كنت طالبة في المعهد بالسنة الثانية والفكرة أخذتها من المحيط الذي أعيش فيه و«رحيل» هو الخط الفاصل بين الحب والمحبة وما تجمعه المحبة لا يفرقه الرحيل، لأن المحبة هي من صميم المبادئ التي دعا لها السيد المسيح لتكون الفتاة المربية بمنزلة الروح التي تجمع بين الابن والأب، وهو عمل ديني ولكن بطريقة غير مباشرة، أي له إسقاطات دينية وتقصدت ذلك لأبين أن الدين معاملة والمحبة معاملة، وهذه هي رسالتي الأساسية، و«رحيل» عبارة عن سلسلة أفلام سينمائية أطمح لتنفيذها تضم ثلاثة أناشيد قصيرة لأجمعها في فيلم روائي طويل وأخذت الموسيقا من الترانيم السريانية ومن الأيقونة السريانية أخذت الصورة.
وكان لـ«رحيل» الفضل بتعرفي على الأب الياس زحلاوي حيث سمع حتوتة الفيلم وأحب أن يعرف المزيد من التفاصيل وشجعني على هذه الفكرة وأصبح عرابي ودعمني بكل خطوة وهو يقرأ نصوصي وبكل نص يقدم لي نصيحة وأتعلم منه الكثير، كما أنه يتابعني في الإعداد الموسيقي وبكل خطوة، وهو يعطيني القوة لأكمل مشواري، لأنه قديس بكل المقاييس، فبمحبته يضيء دربي، ويهون لي الصعاب ويزيل اليأس من روحي.
إلى أين يحملك شغفك في الإخراج؟
أطمح للعالمية طبعاً لأن رسالتي يجب ألا تبقى هنا وهي رسالة الحضارة السريانية وهدفي نشرها في العالم كله وخاصة لهؤلاء الذين يحاولون طمس حضارتنا وهويتنا، وذلك لأن الحضارة السريانية لم تكن بخيلة مطلقاً على الحضارات الأخرى بعطاءاتها إن كان في مجال العلم والفن والأدب والتنظيم والقانون وفي مختلف المجالات.
وأتمنى أن أكمل في مجال الإخراج، ولدي هاجس إدارة الإنتاج لأني خريجة إدارة أيضاً وحاولت أن أجمع بين إدارة الأعمال والفن وشغفي كذلك باتجاه المسرح لأنني خريجة مسرح ولم أجد الفرصة لأعمل في المسرح حتى اليوم، وكان لدي عدة أعمال في عام 2015 منها اوركيسترا «أورنينا» بقيادة طاهر مامللي، وحفل بعنوان «أحبها لأنها بلادي» وفعالية «سورية السلام»، و«يوم وزارة الثقافة»، مع مأمون الخطيب، وكانت الإدارة تحدٍ بالنسبة لي لأنها جمعت كل العناصر الفنية في آن واحد من فن تشكيلي وتصوير ضوئي ورقص ومسرح وسينما وأداء تمثيلي.
ما جديدك وماذا تحضرين؟
أحضر لـ«روح» وهو انشودة آرامية، و«رحم» باللغة الآشورية هذه الأفلام تركز على الإيمان والمحبة والرجاء، ولدي أيضاً أول نص وثائقي بعيد عن الأزمة ولكنه وطني بعنوان «الكرمة»، كما أحضر كليب «موطني» بالسرياني والعربي بصوت فتاة من القامشلي اسمها أميندا كورية تعرفت عليها عند عرض «رحيل» بالقامشلي.
والآن «رحيل» ما زال مستمراً بعروضه في حمص وفي بلدة صدد التي تعتبر أصل السريان حيث فيها أقدم كنيسة في العالم، وفي طرطوس، وقريباً سيعرض بحلب وفي اللاذقية، وسأكون قريباً في لبنان لأعمل مساعدة مخرج مع أحد المخرجين المهمين وذلك في فيلم وثائقي روائي طويل، وهناك مسرحية كذلك خارج سورية وأنا في الحقيقة أحزن عندما أجد الفرصة تأتي من خارج بلدي ونحن بلد المسرح، وربما في سورية لا يوجد دعم للمسرح مادياً وترويجياً وتسويقياً.