«أنكيدو العاشق» مجموعة نثرية للشاعرة ميس الكريدي
| سارة سلامة
صدر عن دار الشرق للطباعة والنشر مجموعة نثرية بعنوان «أنكيدو العاشق» للشاعرة ميس الكريدي، وهي مجموعة تتكلم فيها عن الأرض والحب والوطن والحرب والوضع السياسي، بأسلوب رقيق ومرهف وأنثوي يتجلى في اندماجها بأرضها، فهي كأنثى لا تستطيع أن تقف جانباً مكتوفة الأيدي بل كان لها كلمتها التي خطتها عبر هذا الديوان، وذكرت ميس في المقدمة إهداء: «إلى أضحيات الشرق، في كل المواسم، في موسم الشرق نقتل امرأة، في موسم الحرب نغتنم امرأة، في موسم التجارة نبيع امرأة، في موسم العمل نستخدم امرأة، إلى أمهات الشرق المدججات بقيود السماء، إلى أنكيدو يتعلم الجنس من امرأة، إلى محمود درويش رحل ولم يلتمس عشقي له، إلى نزار قباني عاشق المرأة صورة وحدثاً وحكاية، إلى مواسم في آخرها».
يسكنها وطن
وفي تقديمه للمجموعة قال الدكتور نبيل طعمة: «أخطها من خط البصر الملقى عليه بصري الذي تبصر فيه فدعاني لأقول مقدماً، تمردت فكنت كما أردت نصف آدم، عرفت أنك لن تكوني إلا بشموخك معه، وكنت بذلك الاثنين معاً، وفعلت بعد أن فعلت لغتك فوصلت إلى أنثاك التي يغزوها الحب، ويسكنها وطن، وجمعت مفرداتك كمن يلملم أشياءه الضائعة، وحدتها بغاية تألق محتواك، حاورت ذاتك شعراً، فهمت من ذلك، وأفهمت واستوعبت تضاريس تكوينك، وقلت أنا عشتار أنثى سورية التاريخ، بوابة الشرق، عشقها وجودها، ومن تأملها بفخر من دون تردد، ترددت على حواريها وصحاريها وبساتينها الغناء، دعوت جميعهم للقياها، فكان لقاؤك والتقاؤك قيمة الوفاء، وقلت ها أنذا الأنثى اللبوة، أنسبت من الجبل الأشم، وبيدي منه أمسكت شعاع الشمس، وانضويت تحت ضوء القمر».
دنيا العدم
وعن الحب نراها تخط بعمق روحها متيمة في عشق الحبيب وكانت خصت ذلك في قصائد متعددة مثل «اعتراف»:
أحب عناق الندى، خمر الذكريات، عمري، أحبه رجلاً، حياة، سلاماً، وساماً، أحبه رجلاً، يلبس قلبي، يفترش روحي، يتحول ورداً، سحراً، حفنة ماء، بارود نار، كحلاً لعيني، دموع تغص، بشهقة وجدي، هو كل لحظاتي، نفيراً، هدوءاً، عصفاً، سكينة، صحراء حولي، دنيا العدم، ألا تذرني، رملاً، وصخراً، ينبوع عسل، وشهد انتظار، تذوب وتجمد».
وفي قصيدة بعنوان «أحب» تقول:
حب، محبة، عشق، حق، حياة، لم أتنكر يوماً لنفسي، لإنسان ينمو، داخلي، حولي، في عمقي، في طفولة روحي، واعترفت بآثامي، وأحلامي، قلت الصدق عن نفسي، يا لهف نفسي، لم أخاتل في عذرية الهوى، ولا ابتهلت إلا لأجل البقاء».
لحمنا معجون بالتراب
وفي اندماجها مع الأرض وتوصيفها للحرب التي يعيشها بلدها وكم أثرت عليها نرى ذلك عبر عدة قصائد، وأيضاً عن حالة اللجوء وانتظار الأمهات لأبنائهن من ساحات القتال حيث قالت في قصيدة «أم تنظر ابنها المقاتل»: «على قلقي، أقلب الأفكار، أتابع الأخبار، جنيني، مربوط بحبله السري، إلى سبطانة دبابة، أنتظر قرب الهاتف، خبراً، أخباراً، لا تحمل الأخبار، إلا تكالب الأقدار، ليمونة الدار، شتلات النعنع، الأرض الرطبة، ساعاتها الطويلة على كرسيها، تخشب على مصطبة، أمام باب الدار، كل مشهدها انتظار، يفوح الانتظار، يزأر الانتظار، من كل حانات النهار، من عتبات الليل، من إطلالة العشق».
وفي قصيدة أخرى بعنوان «شهيد» قالت ميس: «كيف نكتب مراثينا، حين الوطن الشهيد، كيف ننعي، جثمان بلد، كيف نعول، وكل هذا الدم، سبب العويل، كيف نبكي، ودمعنا سفر الخلود، كيف نجمع عطر العذارى، كيف نفتح بوابة الوجد، كيف نجد الينبوع، لتحيى القتيلة، بحفنة من ماء الخلود، سنعيش، ستعيشين، مدن تغار من تاريخها، مدن تثور على تاريخها، ليست هذه محاولة قتلنا الوحيدة، بيوتنا من جماجم، لحمنا معجون بالتراب، دمنا حكاية، موتنا رواية، لكننا نولد، وتولد فينا، وطن ونحن، نولد من عتيق الورق، نولد من رمح، نولد من عتق، نولد من جوع الأساطير».
شباب يعانقون الشمس
وعن واقع الحياة والتعايش في سورية كان لها ذكرى خاصة مع كل الظروف المريرة التي عايشتها كسورية عاشت في بلد طالما نعم بالأمن والمحبة والسلام متباهية به، وهي اليوم تتساءل: من العابثون به ماذا يريدون أن يفعلوا؟ حيث قالت في قصيدة «سورية»: «يريدون أن يغتالوا بعض أهلي، يريدون ألا أنام في الشام، وأصحو في اللاذقية، يريدون ألا تخبز أمي، لأخي ورفاقه خبز الصاج، ملوحا مثل سمار الفلاحين، أجدادي ،يحصدون القمح والحب، يحرثون الأرض وعودا،إيمانا.. أهازيج، وأن تنفذ زوادتي، وأن أبدل جلدي، يريدون أن ينبشوا جذوري، يريدون ألا ترتوي، بدمهم أرضهم، شباب يعانقون الشمس، على كل الجبهات، ينشدون الحياة تضحية، وعلى هاماتنا وردة، وقصيدة، يريدون أن يكملوا قتلنا، قتلكم».
ولم تستطع ميس أن تكون متابعة عادية للوضع السياسي في بلدها بل كان تدخلها عبر طريقتها الخاصة حيث قالت: «من جنيف.. تنهيدة، جنيف، لن أتقن الكتابة، لأني مشلولة، تجرني عربات الأمم المتحدة، أكره عجزي، أسرق من بين يديهم أوراقي، أهرب وخريطتي في صدري، أشعر بركوب الدهليز، متاهات، وأنا أعرف من أنا، يريدون أن يكتبوا تعريفاً جديداً لي، تاريخي في دمي، عيوني معي، وهم يرسمون، وجها ليس أنا، وأنا هي أنا، سأرتص بلحم الأرض، حتى لا يقتلعون».
ملعونة الحدود
وعن العلاقة بين الشعر والسياسة قالت ميس في قصيدة «ثنائية»: «الشعر والسياسة، ثنائية شرطية، ملعونة الحدود، مفتوحة الجبهات، أولها على هضاب الضمير، آخرها، على صمام شرياني، أوراق نكدسها، تذرونا، أن تكتب، شعراً يحتوي السياسة، أن تكتب قصيدة، تؤرخ السياسة، وأنا أكتب، نفير روحي، حتى تغضبها السياسة، نشيج عمري، حين تسرقه السياسة، مرثية وطني، حين تخذله السياسة، حبيبي وأنا، أنا وحبيبي، أي ترتيب.. تختاره السياسة».