سورية

واشنطن وداعش بين الإستراتيجية والتكتيك

| رزوق الغاوي

مشهدٌ «قديمٌ جديد» تقدمه واشنطن الآن على مسرح المسألة السورية، يجسده التناقض الأميركي بين القول والفعل، بين المعلن والمبيت، بين المكشوف والمستور، بين الادعاء والممارسة.
المشهد الأميركي الذي نتابعه، يعكس مدى التناقض الصريح في باطن وظاهر العلاقة القائمة حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية ممثلة بوكالـة الاستخبارات المركزية «سي أي إي» ووزارة الدفاع «البنتاغون» من جهة، وتنظيم داعش الإرهابي من جهة ثانية.
ففي حين تدعي واشنطن على لسان رئيس هيئة الأركان للتخطيط والسياسات الإستراتيجية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، وعلى لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، محاربة هذا التنظيم بصرف النظر عمن يحاربه ويدمره، أثبتت موسكو في وقت سابق بالدليل القاطع وبالصور الفضائية، مدى التنسيق القائم بين القوات الأميركية التي تحتل مناطق سورية شمال وشرق البلاد، وتنظيم داعش، من خلال وجود قوات أميركية تعمل جنباً إلى جنب مع إرهابي التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها الأخير.
من المفيد الإشارة في هذا السياق إلى أن الطيران الحربي الأميركي وتحت ادعاء محاربته لداعش، قام بتدمير مدينة الرقة في سابقة لم تقدم عليها النازية إبان الحرب العالمية الثانية، حيث فاقت عملية تدمير الرقة الوحشية، بدرجات، عملية تدمير مدينة دريسدن الألمانية، ومن ثم توفير الغطاء والحماية الكاملين «بالتنسيق مع قوات سورية الديمقراطية – قسد» لمسلحي داعش للخروج الآمن مع كامل أسلحتهم وعتادهم الحربي من الرقة والتوجه نحو دير الزور أولاً، ومن ثم إلى مدينة البوكمال في محاولة فاشلة لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري الذي استطاع أمس السيطرة على كامل المدينة. وخلال الأسابيع الماضية عملت الدوائر الأميركية ذات الصلة، على التنسيق بين تنظيم داعش و«قسد»، لمنع الجيش العربي السوري والقوات الحليفة، من الوصول إلى منابع النفط السورية واستعادة السيطرة عليها.
وفي هذا السياق، قدمت واشنطن المزيد من الدعم العسكري لـ«قسد» للوصول إلى المناطق النفطية في محافظة دير الزور وخاصة إلى حقلي «التنك والعمر» قبل وصول الجيش العربي السوري إليها، مع الإشارة إلى أن تقدم «قسد» في تلك المناطق التي يسيطر عليها داعش لم يواجه بأية مقاومة من التنظيم الإرهابي تنفيذاً لأمر أصدره أمير التنظيم يقضي بفتح الطريق وتأمينه أمام قوات «قسد» والقوات الأميركية إلى حقلي كونيكو والطبيع، والأمر ذاته تم تنفيذه في الوصول إلى حقلي الجفرة واسبه.
تؤكد تقارير إعلامية مواصلة القوات الأميركية توسيع انتشارها عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتستقدم المزيد من الدبابات والمدرعات من العراق إلى بعض مناطق محافظتي الحسكة ودير الزور، وتشير تلك التقارير نقلاً عن خبراء عسكريين، إلى أن الهدف الأميركي من هذه الإجراءات، هو إقامة منطقة نفوذ أميركية تحت غطاء كردي، وهذا أمر اعتبره المراقبون أنه يهدف إلى خلق حالة من التوتر في مناطق سيطرة «قسد» يمهد لصدام أهلي فيها.
ما تقدم يشكل بعضاً من الأدلة القاطعة التي تثبت أن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية في سورية ليس محاربة داعش، بل توظيفه في عملية إشغال القوات المسلحة السورية والقوات الرديفة من جهة، بالتوازي مع ممارسة الضغط على روسيا بمختلف الوسائل غير المشروعة، في محاولة يائسة للحيلولة دون تطوير علاقاتها مع دمشق في مختلف المجالات خاصةً، وأيضا دون تطوير العلاقات الروسية العربية بوجه عام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن