اقتصاد السوق الاشتراكي الصيني يتجاوز الهيمنة الأميركية العالمية
| قحطان السيوفي
استطاع التنين الصيني الصاعد أن يوفق بين العقيدة الاشتراكية واقتصاد السوق؛ ليصبح ثاني أكبر اقتصاد، ويتحدى الهيمنة الأميركية في العالم، واليوم تجد في كل بيت حول العالم منتجاً صينياً.
المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، منح الرئيس تشي جين بينغ ولاية جديدة، ليبدأ الرئيس برصيده السياسي مواجهة التحديات الاقتصادية المحلية والدولية.
بكين على قناعة بنظامها السياسي ونموذجها في التنمية باقتصاد السوق، ويقول البروفسور شي ينهونغ من جامعة رينمين: «الرئيس تشي لديه مشاكل ليتعامل معها، لكن انظر إلى ما يجري في الولايات المتحدة، رئيسهم مجنون، والكونغرس منقسم، والناس منقسمون، في حين أن أوروبا لديها مشاكلها العديدة، وتشي لديه أمل كبير في أن يتحقق الانتعاش الوطني الأكبر للصين بحلول نهاية فترة ولايته».
لقد تضاعف نصيب الفرد في الصين من الناتج المحلي الإجمالي نحو 6 مرات ليصل إلى 6800 دولار بالمقارنة بالسنوات العشر الماضية، وبنمو اقتصادي 9 بالمئة سنوياً، وامتلاكها لأكبر احتياطي نقدي أجنبي في العالم يبلغ 3,2 تريليونات دولار، وأصبح الاقتصاد الصيني في المركز الثاني بين اقتصادات العالم.
استحوذت الصين على 12 بالمئة من إجمالي الصادرات العالمية وتستورد 10بالمئة من إجمالي واردات العالم وخاصة الطاقة والمواد الخام، لتصبح محركاً قوياً للطلب العالمي على المواد الأولية، وشعار «فكر الاشتراكية ذات السمات الصينية» أقره مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير معتمداً مبادئ اقتصاد السوق.
تعمل الصين لتصبح القوة العظمى للتكنولوجيا الفائقة، ويُشكّل استقطاب الخبرات جزءاً من إستراتيجية أوسع لبناء القدرات التكنولوجية وفق خطة تسمى «صنع في الصين 2025»، هذه الخطة وصفها رئيس مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار الأميركية روبرت أتكينسون في رسالة إلى الكونغرس ألأميركي في كانون الثاني الماضي، بأنها «إستراتيجية عنيفة بأي وسيلة تنطوي على التلاعب المتسلسل في السوق والنقل الإجباري للمعرفة الأميركية».
عام 2016 وصف الرئيس الصيني تشي العلوم والتكنولوجيا بأنها «ساحات القتال الرئيسة للاقتصاد»، وتشكل دعوة الرئيس تشي اعترافاً بأن القدرة التنافسية في مجال التكنولوجيا هي واحدة من الركائز الثلاث، مع القوة الاقتصادية والسيادية.
الخوف من الاعتماد على التكنولوجيا الخارجية ازداد عمقا بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بسبب مناداته بالحمائية التجارية، وقال أتكينسون في تقريره أمام الكونغرس: «من الموصلات إلى التجارة الإلكترونية، كان تشي ينادي بجرأة بأن هدفه هو أن يجعل الصين سيدة تلك التقنيات»، وتهدف الخطة إلى رفع المحتوى المحلي للمكونات التي يتم إنتاجها في الصين إلى 70 بالمئة بحلول عام 2025، والصين ترُوج لنقل التكنولوجيا، والاستثمار الأجنبي في البحث والتطوير، وتدريب العلماء والمهندسين الصينيين في الخارج، والجذب المباشر للأشخاص المتميزين.
أكد الرئيس الصيني في خطابه أن «اشتراكية الصين دخلت حقبة جديدة»، وأن الصين ستصبح «منفتحة بشكل متزايد على العالم»، وأن خطته لخلق تجارة عابرة للقارات وشبكة للبنية التحتية تمثل وسيلة لربط الصين بالعالم، وستتضاعف إجراءات فتح الأسواق المالية أمام الشركات الأجنبية. انتقد ترامب الصين في خطابه بقمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ «أبيك» في فيتنام، قائلاً: «لن نسكت عن المبادلات التجارية غير المنصفة بسبب ممارسات التبادل التجاري العالمي».
المفارقة أن موقف ترامب من التجارة العالمية رد عليه الرئيس الصيني، بموقف الدفاع عن العولمة، مؤكداً الدور الريادي للصين وضرورة تطوير فلسفة التجارة الحرة كي تصبح «أكثر انفتاحاً وتوازناً وإنصافاً»، فالصين تمكنت في مسايرة الاقتصاد العالمي خلال العقود الماضية والاندماج مع اقتصادات العالم، على أساس «الاعتماد المتبادل».
في الوقت الذي دعت فيه الصين، الرأسمالية العالمية إلى الانفتاح واعتماد آليات السوق، فإنها حافظت على سيطرة الدولة على الاقتصاد، ودعمت مؤسسات القطاع الخاص بالأموال لتقليل تكلفة منتجاتها للمنافسة في الأسواق العالمية.
ستنفق الصين 4 تريليونات دولار خلال العقدين الحاليّ والمقبل على مشروع «الطريق والحزام» كأكبر المشاريع الإستراتيجية العالمية، وسيعبر 60 دولة في آسيا وأوروبا والمنطقة العربية بما فيها سورية.
الصين قوة اقتصادية كبيرة، وأكبر دائن للولايات المتحدة، واستطاعت مواجهة وتجاوز الهيمنة الاقتصادية والسياسية لهذه الأخيرة، باعتماد آليات اقتصاد سوق رأسمالي من دون التخلي عن النهج الاشتراكي، ولهذا وُصف بأنه «اقتصاد رأسمالي تقوده الدولة» حدث هذا عملياً برعاية «الحزب الشيوعي الصيني» الذي راجع سياساته الاشتراكية لتتوافق مع الزمن الذي يعيش فيه.
في رأينا تم استعمال أدوات السوق في الصين كعنصر قوة حيوي في عملية تحسين قوة الإنتاج الجماعية الاشتراكية، لتصبح عاصمة الصين الاشتراكية في ثوب رأسمالي، والعقيدة الاشتراكية التي كانت في الماضي تكن عداء مطلقاً للنظام الرأسمالي، تبدو اليوم في نوع من حالة تمازج مع الأصدقاء الأعداء وخاصة مع الولايات المتحدة، ونهوض الصين جعل منها قوة اقتصادية كبيرة تنافس الولايات المتحدة الأميركية، متحدية الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأميركية عبر اعتماد آليات اقتصاد السوق مع التمسك بالنهج الاشتراكي العام، وتعتبر الصين اليوم مع روسيا القطب الثاني في العالم الذي يؤيد ويدعم حرية الدول والشعوب في المحافل الأممية وعلى الساحة الدولية.