قضايا وآراء

الدور السعودي بمنظار الاحتياج الغربي

| عبد المنعم علي عيسى

أصعب أنواع القرارات التي يمكن أن تواجه القيادات الغربية راهنا، لا تتأتى من تلك التي تستجيب لنداء المصالح والمنافع بعيداً عن العديد من الاعتبارات حتى المهمة منها، وإنما تتأتى من تلك التي يفرضها المزاج العام أو المناخات الشعبية السائدة في بلدانها فهذي الأخيرة غالباً ما تشكل إدانة للحكومات التي تضطر للانصياع لها، في حين أن رؤياها تكون بعيدة عن تلك المواقف.
نشر المنظر برنار هنري ليفي المعروف بعراب «الربيع العربي»، قبل أيام، مقالا تمت ترجمته إلى العديد من اللغات بعنوان «أوقفوا السعودية»، وفيه شن هجوماً غير عادي على الدور السياسي الذي تمارسه المملكة واصفاً إياها بالنظام الذي يعتاش على إراقة الدماء، وللأمر هنا اعتباراته المهمة فـ«ليفي» ليس كاتباً عادياً وربما ارتبط ظهوره في مكان ما، أو تناوله للوضع فيه، بحدوث اضطراب أو زلزال، ما يشير إلى صلته بالعديد من القنوات التي توصل إلى غرف صناعة القرار السياسي الغربي، ومن الجائز هنا القول: إن ذلك المقال إنما يختصر مزاج شرائح واسعة من الشارعين الغربي والأميركي تجاه مملكة الرمال، لكنه يشير في الآن ذاته إلى أن ذلك المزاج لا يزال تياراً ماضياً في عملية استكمال شروطه ولم يصبح بعد قوة ضاغطة قادرة على أن تملي إرادتها على صناع القرار، وهو ما تبدى جليا في طريقة تعاطي الرئيس السابق باراك أوباما مع القرار الذي اعتمده الكونغرس الأميركي في أيلول من العام الماضي والذي عرف بقانون «جاستا» لمحاسبة داعمي الإرهاب ومموليه، وهو في جوهره كان يمثل خيارا أميركيا لمحاسبة السعودية على خلفية تورط مسؤولين من نظامها في هجمات أيلول 2001 كما تقول تقارير أميركية معلنة.
تحليلات عدة خرج بها مقربون من دوائر صنع القرار، تقول إن غير المعلن حتى الآن من هجمات أيلول، يحوي الكثير من التفاصيل والدقائق التي تؤكد ثبوت تورط النظام السعودي في تلك الهجمات أو على الأقل تورط تيار فيه، ومن الممكن اعتبارها حدثا يشير إلى احتدام الصراع السياسي الداخلي على الوصول إلى السلطة في الرياض، وفي هذا السياق حاول أوباما الوقوف بوجه أن يصبح القانون نافذا عبر استخدامه للفيتو، الأمر الذي لم يؤد للوصول إلى مراميه، إلا أن الخيارات كما تبين لم تكن مغلقة، والأمر نفسه كان ينطبق على دونالد ترامب عندما كان مرشحاً للرئاسة وفي حينها، أبدى حماساً كبيراً للقانون قبل أن تنقلب الصورة تماما عشية وصوله إلى السلطة في كانون الثاني الماضي.
المهم هنا القول: إن تلك الانعطافة التي شهدها ذلك الخيار تحت أية اعتبارات ممكنة، ما كان لها أن تحدث لولا أن نتيجة الاستقراء، كانت تشير إلى رجحان كفة المصالح وداعميها على كفة القيم ومن يشد بها، وذلك الرجحان أدى في الحالة «الترامبية» إلى إنتاج براغماتية متقدمة أو براغماتية مفرطة حتى إذا ما تلاقت هذي الأخيرة مع خزان «الشعبوية» الذي قرر ترامب النهل منه، أنتجت تلك الحالة، نوعاً من السياسة ربما أمكن التعبير عنه بـ«براغماشعبوية».
من الواضح أن الجسد الأميركي بات يتململ من هذا القميص الذي ألبس إياه، وهو قد يكون الآن في مرحلة إجبار الخياط على توسيعة، كانت أبرز سياسات «البراغماشعبوية» تتمثل في الموقف الأميركي الأخير من حالة القرصنة الدبلوماسية التي مارستها الرياض ضد رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري بدءاً من الرابع من الشهر الجاري قبل أن تنجح الدبلوماسية الفرنسية في منتصف هذا الشهر إيجاد تسوية لها، صحيح أن «اللقمة الكبيرة» التي ابتلعتها الحلق الأميركية مؤخراً في أيار الماضي، لا تزال قيد الهضم، إلا أن ذلك كما يبدو لا ينطبق على الجسد الغربي على الضفة الأخرى من الأطلسي، فقد خرج في السادس عشر من هذا الشهر وزير الخارجية الألماني ليقول: إن روح المغامرة التي تعيشها السعودية منذ تسعة أشهر هي غير مقبولة ولا يمكن السكوت عنها، وهو تصريح متقدم من شأنه أن يفتح كل الآفاق أمام موقف سيكون موجعا أو يكون انعطافياً في مسار الصمت أو الصوم عن الكلام الذي مارسته القارة البيضاء على مدار ما يقرب من قرن من الزمان، ولا يمكن بحال من الأحوال النظر إلى ذلك الموقف الألماني على أنه شجرة نخيل واقفة هكذا في العراء، وهو ليس كذلك بالتأكيد، وحتى لو تجاهلنا الأزمة السويدية السعودية التي حدثت مطلع العام الماضي والتي ضاعت نكهتها في غياهب المصالح وبنوك التمويل، فإن هناك مجموعة من التحولات التي تشهدها القارة الأوروبية تنحو بمجتمعاتها نحو تثقيل كل ما يخص بالجانب الأخلاقي للحضارة الأوروبية التي ستكون كما البطة العرجاء فيما لو ظلت قادرة على تغييب ذلك الجانب في مقابل تحقيق العديد من المكاسب كما يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي جاك اتالي في كتابه «الطريق الإنساني»، ويضيف أن مسارا متوازنا للحضارة الغربية يفترض تحقيق توازن بين آليتي السوق والديمقراطية التي يتوجب عليها بدورها أن تحقق بروزا للجانب الأخلاقي، ويكون من شأنها أن تجعل من «وثن» السلعة جسداً متحركاً فيه روح وما تتطلبه هذه الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن