قضايا وآراء

موازين القوى في سوتشي

| أنس وهيب الكردي

سيجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه أمام شريكيه في عملية أستانا، على طاولة سوتشي، وقد فقد كثيراً من أوراقه، وأن قوة بلاده التفاوضية قد تراجعت كثيراً منذ بداية العام الجاري.
لم تنته عملية تحرير الرقة بمزيد من الصدع بين واشنطن وأنقرة، فحسب، بل وباستكمال مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تشكل العمود الفقري لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد» سيطرتها على كامل الشمال الشرقي لسورية، وتعتبر أنقرة مليشيا «وحدات الحماية» بمثابة التهديد الأول لأمن تركيا الوطني، والشرخ الأميركي التركي بات يهدد بخروج تركيا من حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وبطلاق ما بين هذه الدولة والولايات المتحدة.
بنظرة على خريطة توزع القوى على أرض سورية، يتضح أن المجموعات المسلحة المقربة من أنقرة خسرت مواقع في محيط إدلب وحلب، من جهة أخرى، دفعت سيطرة «هيئة تحرير الشام»، واجهة جبهة النصرة المنحلة، صيف العام الجاري على محافظة إدلب، الأتراك إلى التوصل مع الروس والإيرانيين، لـ«اتفاق خفض التصعيد» الخاص بإدلب، خوفاً من تهديدات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، بتقديم دعم عسكري لعناصر مليشيا «وحدات الحماية» المتمركزين في منطقة عفرين للزحف غرباً نحو معاقل «النصرة» المنحلة في المحافظة، وهكذا، تنازلت أنقرة في إدلب قبل أن تحقق مطالبها في مدينتي عفرين وتل رفعت بشمال غرب محافظة حلب، والأهم أن الضغط على الروس والإيرانيين بورقة تنحي الرئيس بشار الأسد لم تعد فعالة، جراء قبول السعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة ببقائه.
على الصعيد الإقليمي، تقلصت هوامش اللعب أمام تركيا بسبب الأزمة الخليجية التي فجرتها مقاطعة السعودية والبحرين والإمارات ومصر لقطر بتهم دعم الإرهاب، ومثلت قطر قيمة مضافة كبرى للسياسة التركية في المنطقة، إلا أنها اضطرت وبنتيجة الأزمة إلى تدبر أمر بقائها، خارجةً من لعبة القوة في المنطقة، ليس ذلك فقط، بل إن الأزمة الخليجية قلصت ساحة المناورة أمام الأتراك جراء انزعاج السعودية من مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداعمة للدوحة، وتكتمل صورة العزلة التركية في الشرق الأوسط مع الجفاء الذي تظهره القاهرة لأنقرة، وسعي مصر إلى بناء حلف مع اليونان وقبرص، منافستي تركيا التقليديتين.
من جهة أخرى، يحتفظ أردوغان بعدد من الأوراق في يديه، مثل: عرقلة الانتقال إلى مرحلة التسوية السياسية للأزمة السورية سواء نتيجة دورها في عملية أستانا أو عبر تحريض المجموعات السياسية والعسكرية المدعومة من أنقرة، وتجنيس اللاجئين السوريين في تركيا أو فتح مراكز لتدريب وتسليح اللاجئين السوريين الموجودين في معسكرات اللجوء في جنوب تركيا ومساعدتهم على شن عمليات عبر الحدود، والتلويح للروس بعقد تفاهم ثنائي مع الإيرانيين المتوجسين من اتفاق فيتنام، أو مغازلة السعودية للضغط على إيران.
سيدفع موقف تركيا وتقلص قوتها التفاوضية، أردوغان إلى الموافقة على إطلاق عملية سياسية في سوتشي قبل الوقف الكامل لإطلاق النار، راضياً بما حققته عملية أستانا من «خفض التصعيد».
في المقابل، وصل الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى منتجع سوتشي الروسي في حين امتد نفوذ بلاده الإقليمي إلى أقصى مدى له خلال الأربعين عاماً الماضية، وتضم أوراق روحاني، ما تم تحقيقه، وتحت المظلة الروسية، في سورية، من تقليص لمساحات سيطرة المسلحين ومقاتلي داعش و«النصرة»، ومع ذلك، تواجه إيران تحديات كبيرة قد تمنعها من تحصيل الثمرة النهائية لمجمل مكاسبها في الشرق الأوسط، حيث تتعرض الإستراتيجية الإيرانية الإقليمية إلى تهديدات في لبنان جراء الحملة الأميركية السعودية على حزب الله، وفي العراق وسورية نتيجة الوجود العسكري الأميركي، لذلك، يأتي روحاني إلى سوتشي وفي ذهنه كيفية السير في عملية دبلوماسية تحصن المكاسب، وتوسع ساحة المناورة أمام بلاده في مواجهة الضغوط الأميركية والسعودية.
الغريب أن أقوى الأوراق التي في جعبة الرئيس الإيراني هي التفاوض على جدول زمني لانسحاب القوى الأجنبية المتبادلة من سورية، وذلك مقابل الموافقة على العملية السياسية التي تخطط موسكو لإطلاقها، والتي يريد الإيرانيون التأكد أيضاً من أنها ستضمن ثوابت تحالفهم مع دمشق.
وبوّأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلاده مكانة سامية في الشأن السوري سواء على الصعيد العسكري أم الدبلوماسي؛ فالكرملين يتحكم في معظم خيوط الأزمة السورية، وهو يمسك بعقدة أكثر من سبعة مسارات حول أطرافها تتنوع من الولايات المتحدة والأردن وبريطانيا، فإيران وتركيا والعراق ولبنان، مروراً بمصر والسعودية ودول الاتحاد الأوروبي.
فوق ذلك، استقبل بوتين أمس نظيريه التركي والإيراني، وبين يديه تفاهمان متصلان مع الرئيسين بشار الأسد والأميركي دونالد ترامب حول إطلاق المرحلة الانتقالية من مكافحة الإرهاب إلى التسوية السياسية للأزمة.
توزع الأوراق على طاولة الزعماء الثلاثة، يشير إلى أن مخرجات قمتهم أمس في سوتشي لن تخرج عما تخطط له روسيا، وأن الأتراك والإيرانيين قد لا يكون أمامهم الكثير لإضافته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن