قضايا وآراء

بين هجوم العريش وتخبطات السيسي: استيقظوا قبل فوات الأوان

| فرنسا – فراس عزيز ديب

على الرغمِ من السنوات السبع لعمرِ الحرب على سورية، بقيت القيادة السورية مُمَثلةً بوزارةِ خارجيتها، على رأسِ الدول التي تُسارع لإدانةِ أي عملٍ إرهابي يضرب أي منطقةٍ في العالم متناغمةً بذلك مع القرار الشعبي المنبثقةِ عنه، والمبني على بديهية أننا لا نتمنى لأحد أن يتجرَّع من كأسِ المرارة التي تجرعناها، فكيف بمن هم أقرب الناس إلينا!
لم نفقِد كسوريين يوماً على المستويين الشعبي والرسمي احترامنا لأنفسنا حتى نفقد احترامنا للآخرين ودمائهم، لأن احترامنا لأنفسنا كسوريين يجعلنا نرفض التعاطي بمبدأ ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بدماء الأبرياء، كما كان يُعاملنا الآخرون، فمن منا ينسى مثلاً أنه وفي الوقت الذي كنا فيه نلملم أشلاءَ شهدائنا الذين ارتقوا في تفجيراتٍ إرهابية جالت على كامل التراب السوري، كان البعض يجول ببياناتهِ على السفارات التي تحدد له ما يجوز وما لا يجوز ليعطونه إذناً بالإدانةِ من عدمها، لأن البعض حتى في الحد الأدنى من التعاطي بالقيم الأخلاقية والإنسانية يحتاج لإذن، أي إن القضية هنا ليست فقط مجرد احترامٍ للذات، الفكرة أعمق نختصرها بعبارة: أن تكون سيد نفسك.
عندما تحقِّق هذه المعادلة فإنك ببساطة لن تسمحَ لنفسك بأن تنحدر لمستوى «رقمٍ» في عداد التبعية السياسية، لأنك عندها ستكون حراً، والحر الذي يحلِّق في فضائه الأرحب كاسراً غِلال الوهن الفكري، وحده من يستطيع أن يرى أبعدَ من هذه الفوضى، أو أبعدَ من الارتهان للمعونات فلاعونٌ كعون الشعب، أو أبعد من التلعثم لدرجةِ تهديد من قاموا بهذا العمل الإرهابي «الغاشم» بردٍّ «غاشم».
لم تكن تلك هي السقطة اللغوية الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولن تكون الأخيرة، ولن يكون ادعاء السيسي بأن مصر «تحارب الإرهاب نيابة عن العالم» هي «الشطحة» الأولى ولن تكون الأخيرة، وإذا كان هناك من يريد محاكمة مطربة مصرية بسببِ «مزحةٍ» قالتها عن مياه النيل واعتبروها إساءة لرمزيته، فماذا عن «مزحات» السيسي الثقيلة؟ ماذا عن حديثه خلال استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون له في باريس عندما أراد الإجابة عن سؤال حول حقوق الإنسان، فاستطرد بالجواب ليهين النظام التعليمي والطبي والقضائي المصري؟ أما في خطابه الأخير، فلم يكن بحاجةٍ لمترجمٍ ليترجمَ كلامه للفرنسيين بروحيته وليس بحرفيته، هو بحاجةٍ لمترجم من نوعٍ خاص يترجم لنا الحالة وليس التعابير، كي لا يثبِّت لنا فرضيةَ أنه في وادٍ وما يجري في وادٍ آخر، مترجم يوصِّف لنا هل حقاً أن الرجل يملك مستشارين أم إن مستشاريه على طريقة ملوك فرنسا في القرون الوسطى عندما كان مستشاروهم ينقلون لهم إعجاب الشعب بحكمتهم وفي الحقيقة فإن هذا الشعب كان ممنوعاً من التفكير حتى بكروية الأرض، نحتاج لمن يقول لمن في قلوبهم حب لمصر: أليس الاستسلام لسد النهضة إهانة لمصر، أليس الحديث عن أن أمن «المواطن الإسرائيلي» من أمن المواطن المصري، هو كذلك الأمر، إهانة للمصريين قبل أن يكون لأحدٍ آخر.
شكلت العملية الإرهابية التي ضربت «مسجد الروضة» بالعريش منعطفاً خطيراً في تاريخ الإرهاب الذي يضرب مصر لعدةِ أسباب، أولاً: إن هذه العملية الإرهابية ربما هي الأولى في التاريخ التي تحصد هذا العدد الكبير من الضحايا فيما يفر المهاجمون ويعودون لقواعدهم سالمين، هذا الأمر لم يؤكده فقط بيان جماعة «ولاية سيناء» الإرهابي المبايع لـ«داعش» والذي تبنى العملية، لكننا في الوقت ذاته يمكننا قراءته من خلال عدم إعلان السلطات الرسمية المصرية اعتقال أو مقتل أي أحد من المهاجمين، فهل أن الوضع هناك بهذه الخطورة والتعقيد لكي تعلن الدولة استسلامها أمامهم، أم إن هناك خلف الأكمة ما لا يسر؟ هل أن الوضع في سيناء بوجود الإرهابيين أعقد مما كان عليه عندما كان يحتلها الإسرائيليون، ورغم ذلك نجح المصريون يوماً بعبور القناة ودخول سيناء، أم إن الفرق بين الأمسِ واليوم هو الإرادة والعقيدة القتالية التي تضمر مع مرور الزمن عند الامتناع عن الاستخدام؟!
ثانياً: كان لافتاً أنه بعد أقل من ساعة من العملية الإرهابية ضج موقع «يوتيوب» بفيديوهات لمواطنين قالوا إنهم ناجون من المجزرة يتهمون صراحةً الجيش المصري بتنفيذ العملية، هذا السيناريو بالإطار العام يذكرنا بسيناريو الفيديوهات التي كان يتم بثها لاتهام جيوش كل من ليبية وسورية واليمن بارتكاب مجزرة أو المسؤولية عن حدث إرهابي ما، لكن في الحدث السوري مثلاً فإن الهدف كان ضرب سمعة الجيش العربي السوري من خلال ادعاء قتله لمدنيين معارضين، هنا الوضع مختلف، فالبيانات الرسمية أكدت أن المسجد يتبع بالنهاية للطريقة الصوفية، من الناحية الدينية فإن الإخوان المسلمين وداعش لا يتفقون مع الطرق الصوفية ويعتبرونها بدعاً ويكفرونها، بل إن الكثير من أتباع هذه الطرق في سيناء قاموا بهدم أضرحة رجال دين خوفاً من ردةِ فعل داعش.
هذا الكلام يقودنا لفرضية تورط أحد هذين التنظيمين بالعملية تحديداً إن إجراماً كهذا ليس غريباً عليهم، لكن كيف استطاعوا أن يزرعوا في ذهن من بقي من ناجين وبهذه السرعة أن المنفذ هو الجيش المصري؟ هذا الاتهام الذي يخرج من بيئة من المفترض أنها حاضنة للجيش المصري تبدو أنها انطلاق رسمي لفكرة الفتنة بين المصريين وجيشهم، سيبدأ العمل عليها خلال الفترة القادمة وفي عملياتٍ قد تبدو أكثر ألماً، والأخطر من ذلك أنك عندما لا تُنمي العقيدة القتالية للجيش الوطني فإنك ببساطة تفتح ثغرات جانبية في بناء وتكوين هذا الجيش يسهل النفوذ إليها مستقبلاً وهو ما يريده من يسعى، كما كنا نقول دائماً، لتفريغ سيناء من الجيش المصري وجعلها منطقة للفوضى.
ثالثاً: بقدر ما أن العملية مؤلمة وقذرة انتظرنا فعليا ردة فعل توازيها بالقوة وتعاكسها بالاتجاه على مستوى التعاطي الرسمي مع الإرهاب وليس مع الحدث، لكننا عبثاً نحاول، حتى إعلان الجيش المصري بدء «عمليةٍ واسعة» في العريش كانت محل استغراب لأن السؤال المنطقي عندها؛ ولماذا لم تتم «العملية الواسعة» من قبل، هل لأنها بحاجةٍ لموافقة إسرائيلية باعتبار أن اتفاقية «كامب ديفيد» المشؤومة تفرض على القيادة المصرية حتى نوعية الأحذية التي يجب ارتداؤها؟
هذه الأسئلة لسنا نحن المُطالبين بالإجابة عنها، لأننا ومنذ سقوط حكم الإخوان المسلمين تفاءلنا بأن تغييراً ما قادم، لكننا كمن ينتظر من «الأزهر» تكفير داعش، فمصر الرسمية لازالت تدور في دوامة الهروب من دلف الإرهاب الإخواني القطري، والدخول تحت مزراب الإرهاب الوهابي السعودي، وفي كلا الإرهابيين فإن المصريين يدفعون ثمن ما تختاره لهم طبقاتهم السياسية، لكن الثابت الوحيد بين هذين الإرهابيين هي اتفاقية «كامب ديفيد» والحرب على الإرهاب ليست كما يعتقد السيسي بأنها نزهة، والإرهابي اليوم ليس كما يتوهم الخطاب الرسمي المصري بأنه مجموعةَ أشخاص قرروا القتل فقتلوا، بل هو منظومة تتبع لدول ولولا هذه الدول لما استطاع هذا الإرهابي أن يحقق أي نجاح، لكن المشكلة هي بالجرأة على تحديد هذه الدول وتسميتها، لأنك عندما ترى أن الإرهاب الذي يمارسه حلفاؤك في مملكة «آل سعود» في اليمن وسورية ولبنان يختلف أو «منزه» عن الإرهاب الذي تمارسه مشيخة قطر وتركيا في مصر وسورية والعراق، عندها عليك أن تكون واقعياً وتقبل أي ردة فعل استغلت تعاطيك بمعايير مزدوجة مع الثوابت، لأنك ساعتها لست بحاجة «للتسول» السياسي على دماء الأبرياء بل بحاجة لثورة حقيقية مع ضمان فكرة أن الثورة التي لا تعتمد ضرب الفكر الإرهابي قبل الإرهابي هي ليست ثورة، الثورة التي لا تصوب على الدول التي تستخدم الإرهابيين كخناجر غدر في ظهر أوطانهم هي ليست ثورة، الثورة التي لا يكون هدفها على الأقل تجميد اتفاقية العار «كامب ديفيد»، هي كل شيء إلا الثورة، لكن هل حقاً يمكننا مجرد التفكير بأن هذه الأمور قد تتحقق؟
بالتأكيد لا يمكن لأي عاقل أن يتوقع ذلك، على العكس فإن من يستمع لخطابات المديح بين الكيان الصهيوني وغيره من الكيانات النفطية، يعي تماماً أن «كامب ديفيد» ستكون «كامبات ديفيد»، والضياع الذي يعيشه من لا يمتلك قراره هو مصير حتمي لأننا جميعنا نسير إلى مصيرنا الحتمي، لكن هناك فرق أن تختار مصيرك بكبرياء أياً كانت النتائج، أو أن يختاروا لك مصيرك مهما حاولت الظهور بالمظهر المغاير وتذكر أن الشهداء لا يريدون نصباً تذكارية هم يريد وطناَ ينتقم من قَتَلَتِهم؛ وبداية الانتقام هي أن تكون ممتلكاً لنفسك والباقي تفاصيل، وإلا فإن القادم أعظم، من قال إن رياح التقسيم هي حكر على الحركات العرقية في هذا الشرق البائس؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن