وداعاً ثائر
وضاح عبد ربه :
لم أكن أتوقع أن أرثي يوماً ثائراً، وكيف أرثيه؟وهو الذي لم يكن يهاب الموت ويتنقل من جبهة إلى جبهة، ومن نفق إلى نفق ليأتي للسوريين بالخبر والصورة، وهو الذي كان يرفض باستمرار رثاء أبطال الجيش العربي السوري الذين كان يلازمهم على الدوام، بل يكتب عن شهادتهم بشغف متمنياً ذات القدر فناله.
كثيرون عرفوا ثائراً من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال أفلامه الوثائقية، وأخباره الميدانية، وتقاريره في «الوطن»، وصوته على «شام إف إم» في الأمس كل هؤلاء كانوا حزينين على رحيله، وامتلأت صفحات الفيسبوك باللون الأسود والحزن، لأن كل هؤلاء فقدوا صديقاً لم يكن افتراضياً بل كان الأكثر واقعية بين كل الأصدقاء، فكان ذاك الصديق الذي كلما وجهت إليه سؤالاً وجد الوقت ليجيب، حتى لمن لم يكن يعرفهم، وكان ذاك الصحفي القريب من الناس، وبعفويته المعروفة كان يقدم الواقع كما هو من دون مونتاج ولا تلاعب ليطمئن السوريين في الداخل والخارج.
من عرف ثائراً عرفه شغوفاً ووطنياً، وكيف لا يكون كذلك وهو ابن البيت الدمشقي العريق ونجل الكاتب والمؤرخ شمس الدين العجلاني الذي طالما وثق تاريخ سورية، وصادق كتّاب تاريخها، هو، والسيدة هدى الحمصي النائبة وسفيرة سورية والمناضلة من أجل نشر صورة سورية الجميلة أينما كانت.
لم تكن الابتسامة تفارق وجه ثائر، ولم يتعب يوماً من الحرب. كان شديد التفاؤل يعلم ويثق أن النصر لن يكون إلا على أيدي أبطال جيش وطنه الذين تقاسم معهم الخبز والماء، وشاركهم أشد المعارك وأكثرها خطورة، فكان سلاحه كاميرته التي لازمت بندقية الجنود والضباط في الخطوط الأمامية بكل شجاعة.
أذكر جيداً معاناة ثائر فهي لم تتوقف.. لم تكن يوماً معاناة معيشية أو اقتصادية على الرغم من وجودها. كان أكثر ما يعانيه تعنت الجهات الرسمية ومنعه من الوصول إلى أكثر المناطق سخونة. كم من مرة ناور وتسلل فوصل إلى مطار دير الزور المحاصر، وإلى حلب وحمص، وإلى وسط مخيم اليرموك، لنقل حقيقة ما يجري للسوريين وكيف يدافع أبطال سورية عن سوريتهم. كان في كل مرة ألتقيه يطلب مني التدخل لدى الجهات العسكرية للسماح له بالوجود على الجبهات الأمامية، كان يحدثني عن جبهات القتال وتضحيات الجيش والدفاع الوطني وبطولاتهم، ويفتح جواله ليريني ما وثقه بعدسته التي لم تكن تفارقه على مدار الساعة، فثائر لم يكن صحفياً عادياً، كان صحفياً على مدار الساعات الأربع والعشرين وفي كل زاوية كان فيها، كان يأتي منها بخبر.
كان صديق الفقراء وصديق الأطفال، قريباً من كل الناس، يساعد ويلبي ويحاول قدر الإمكان رسم ابتسامة على وجوه من أرهقتهم الحرب ولعل هؤلاء هم من سيفتقدون إليه أكثر منا جميعاً.
ثائر كان ثائراً بكل ما تعنيه الكلمة، ثائراً على الحرب وعلى الدمار وعلى الفقر وعلى الإعلام، كان يحلم بسورية ما قبل الحرب، وبإعلام قادر على نقل كامل الصورة.. كان يعشق دمشق وأزقتها وشوارعها وناسها، كان يجولها يومياً من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها، ومن غربها لشرقها، لم يكن يعرف النوم، كان صحفياً بحجم وزارة، وكان سورياً بحجم الوطن.
نم عزيزي ثائراً وارتح وتأكد أن سورية ستعود أجمل مما كانت، سنشتاق إليك وإلى كلماتك الدافئة ومهنيتك وأخبارك. لن تكون هنا الليلة لتخبرني بما يحصل في جوبر، وسبب كل هذه الأصوات التي تقلق الدمشقيين كما فعلت ليلة رحيلك، لكنك ستبقى في قلبنا جميعاً، ولن ينسى الإعلام السوري ما قدمته كما لن ينسى المئات بل الآلاف من السوريين الذين كانوا يسألونك كل يوم عن آخر التطورات أجوبتك وعباراتك وتطميناتك، وثقتك بالجيش وأبطال الدفاع الوطني، الذين كنت برفقتهم حتى في شهادتك.
وداعاً صديقي وصبّر اللـه أبا ثائر وأم ثائر وولديك وزوجتك وكل محبيك.