من دفتر الوطن

السفر في عالم مسحور!

| عصام داري

أنا رومانسي، هكذا أدعي، أو من الزمن الرومانسي المشرف على الانقراض، يعاكسني على صفحتي في الفيسبوك، وفي مكان عملي أصدقاء وزملاء كثر، يسخرون من هذه الرومانسية في زمن العولمة و«العولبة»! والغدر و«الحب الحديث» الذي يستمر من ساعة إلى عدة أيام و.. كفى اللـه العاشقين شر الوفاء الدائم.. أو لسنوات!.
الغريب أن أحد أصدقائي الساخرين هو أكبر مني في العمر، لكن أفكاره لا تعرف الحب والرومانسي، قد تستمر علاقاته بضعة أشهر على أبعد تقدير، شكراً له على وفائه لي بعد كل هذه السنوات فمازال صديقي وسيبقى.
لكنني سأظل ذلك الرومانسي الذي يغني للحياة والحب وسأكون نصير العشاق والمحبين الذين مازالوا على عهد الزمن الرومانسي الجميل. سأظل أسمع أغاني فيروز وحليم العاطفية وفريد وعبد الوهاب وأم كلثوم وليلى مراد ومحمد فوزي ومحمد قنديل ورفيق شكري، لكن ذلك لن يمنعني من الاستماع لبعض الأغاني لبعض المغنين والمؤدين: أليسا.. نجوى.. وشيرين ولطيفة والكبيرين ملحم بركات وكاظم الساهر وغيرهم، وسأشاهد هيفاء وهبي ونانسي عجرم (مجرد مشاهدة) شريطة أن تكون صورة من دون صوت!.. ولكنني لست من عشاق مطرب واحد.
من يرفض أفكاري فهو حر، لكنني لن أسمح بأن تصبح حريتي وخياراتي وكتاباتي مثار سخرية حتى من أقرب الأصدقاء، في الوقت نفسه أشفق على هؤلاء الذين لم يعيشوا إحساس لحظة إنسانية فيها كل العواطف والمشاعر الراقية، والحب الخالص، وروعة التحليق في سماوات من السحر والخيال.
في هذا العالم الزاهي والمسروق سنرصع مستقبلنا بزركشات جمال مشغولة بقلوب عاشقة، ونزين أيامنا القادمات بلوحات حب لا تعرف الكراهية والأحقاد، ونعزف سيمفونية فرح رائعة الألحان، فالفرح هو القادر وحده على هزيمة الأحزان والهموم، ونحن شعب يعشق الحياة والحرية والفرح.
كم نحتاج إلى جرعة أمل وتفاؤل وسط هذا الهشيم الذي صار عنوان مرحلة هي الأسوأ في تاريخنا أفراداً وجماعات.
وصلنا في أحيان كثيرة إلى حافة اليأس، وكدنا نسقط في هوتها العميقة التي لا خلاص منها، لكن بارقة لمعت في الأفق وفي العقل أرجأت السقوط الكبير، وفتحت بوابة مواربة قد تنقلنا من أعماق اليم إلى شواطئ الخلاص.
الحياة تحتاج إلى فارس لا يخشى الخوض في أشرس المعارك في سبيل الرغيف والحرية وكلمة الغزل الممنوعة في مجتمع وأد البنات واغتيال العصافير وسحق الفراشات والأزاهير.
وكل واحد منا في روحه ونفسه وقلبه فارس متوثب ينتظر الفرصة كي ينتصر للحياة والحب والحرية.
في نهاية درب التفكير الذي قادنا إلى العديد من المتاهات والأسئلة التي يصعب حلها، لابد من الاعتراف بأن من لا يملك نعمة الأمل، لا يملك فرصة للحياة، أو على الأقل، سيجعل حياته جحيما مستمراً، ومن لم يرتكب معصية الحب فلن يحصل على وسام العشاق، ومن لم يخض تجربة الرومانسية فلن يتمتع بصحبة العصافير والفراشات ويغوص في بحار الشعر والزجل والطرب والغناء.
مازال في العمر بقية لتجارب جديدة في عالم المغامرة والتحليق من دون أجنحة، والسفر في فضاءات مشغولة من خيال وسحر وخرافة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن