من دفتر الوطن

حفلة التفاهة

| عبد الفتاح العوض 

لا أقصد رواية ميلان كونديرا.. بل ما يجري حولنا يمثل بشكل أو بآخر حفلة تفاهة مقرفة.. ثمة تعبير أعجبني يناسب هذه الحالة «تسمين قيم النذالة» لكن دعوني أبدأ بنقل نصيحة قدمها صاحب كتاب حكم التفاهة آلان دونو: «لا تكن فخوراً ولا روحانياً، فهذا يظهرك متكبراً، لا تقدم أي فكرة جيدة، فستكون عرضة للنقد، لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخِ شفتيك، فكر بميوعة وكن كذلك، عليك أن تكون قابلاً للتعليب، لقد تغير الزمن، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة»!
مؤلمة جداً عبارة: التافهون قد أمسكوا بالسلطة… عندما ترى ترامب نموذجاً فأنت في عصر التفاهة… عندما تتابع الجامعة العربية و«ورجالاتها» الجدد فأنت في حفلة التفاهة.
الفكرة التي يقدمها الكاتب مهمة جداً ورغم أنه لا يتحدث عن منطقتنا ولا يعيش في ظروفنا لكنه يقدم نموذجاً من عولمة التفاهة… لسنا الوحيدين في التفاهة لكن على ما يبدو نحن الأتفه في هذه المنطقة.
المفكر الكندي يجيب عن السؤال المهم: لماذا سيطر التافهون؟
شيء من هذه الإجابات استوقفني وأرغب أن أشارككم الحديث عنه له علاقة بالشخص الذي يجيد اللعبة، حسب لغة الكاتب صارت التفاهة نظاماً كاملاً على مستوى العالم، وصارت قاعدة النجاح فيها أن «تلعب اللعبة».
وأفضل تجسيد لنظام التفاهة، يقول دونو: صورة «الخبير» هو ممثل «السلطة»، المستعد لبيع عقله لها.
لو أردنا أن نتوقف عند قاعدة النجاح الذهبية أن تلعب اللعبة فسنجد الذين يتقدمون هم أولئك الذين لا يملكون أي شيء ذي قيمة، والذين لا يخجلون من أي شيء يمكن فعله للفوز بالجائزة!
لا يمكن الذهاب بعيداً وكثيراً عما يجري على مستويات متنوعة في مجالات كثيرة، لكن الإنسان الذي يجيد اللعبة هو فعلاً الذي يفوز بالنهاية.. وقواعد اللعبة في هذا الزمان باتت واضحة جداً. المثير بالموضوع أنه في تراثنا حديث قديم جداً عن قواعد اللعبة.. ثمة حديث نبوي شريف قاله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة. فهل نحن في مرحلة السنوات الخدّاعات أم إننا في ما سماه آلان دونو ما بعد الرأسمالية؟ أياً كانت فإن حفلة التفاهة صاخبة وماجنة، على ما يتبدى فإنها مستمرة لأن ما يجري يثبت أن التافهين لديهم كل ما يؤهلهم للمتابعة وللصعود. ما حولنا… ما نراه وما نتابعه وما نشهد عليه…. التافهون يسيرون مع التيار… يتفاعلون معه بانسجام مذهل ومن ثم لا يلفظهم خارجاً… بل يصبحون هم التيار نفسه.

أقوال:
من خرج يبحثُ عن الحقيقة.. حكم على نفسه بأن يبقى دائماً في الطريق. رسول حمزاتوف.
تستغرق مناقشة الأمور التافهة وقتاً طويلاً، لأن معظمنا يعرف عنها أكثر مما يعرف عن المسائل المهمة.
الكيس الفارغ يصعب أن يقف منتصباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن