قضايا وآراء

التوحّش الداعشي إلى أين؟

صياح عزام : 

سؤال أخذ يطرح نفسه بإلحاح، من يمكنه وقف «تغوّل» تنظيم داعش الإرهابي في حياة المنطقة العربية، هذا التنظيم الذي فهم دين الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ودين صحابته بطريقة مختلفة، بل مشوشة وتحريفية ومغلوطة؟
هو تغوّل لا مثيل له في التاريخ البشري، تغوّل سلب في الجغرافيا وبدأ يقترب من سلب التاريخ… من يستطيع مقاومة هذا التخريب الذي ينال من القيم والأخلاق، تماماً كما ينال من الحضارة الإنسانية بأبعادها كافة؟ ومتى يستيقظ العرب من سباتهم الذي إن استمر فسيقضي على تراثهم وتاريخهم وكل ما له صلة بإنسانيتهم؟
اجتياح تنظيم داعش لمدينة تدمر الأثرية قبل فترة وجيزة ومن ثم احتلالها بالكامل له منعكساته السلبية الكبيرة، أولها أن هذا التنظيم الإرهابي صارت لديه الإمكانيات بفضل دعم دول عربية معروفة له، وبفضل الرعاية الأميركية الغربية التي يحظى بها سراً، صارت لديه إمكانيات وتسهيلات تجعله قادراً على فرض مشروعه في المنطقة والسماح له بالتوسع والتمدد إلى مناطق لم يكن يحلم بالوصول إليها من قبل…
لماذا هذا «الضحك على الذقون» كما يقال، هل التحالف الذي أقامته الولايات المتحدة وحلفاؤها لمحاربة داعش عاجز عن ذلك؟!
لا أحد يصدق ذلك، ولا سيما بعد أن ثبت أن الطائرات الأميركية تلقي السلاح والعتاد من الجو في أماكن يوجد فيها هذا التنظيم ليستفيد منها.
إن دخول الدواعش إلى /تدمر/ وتدميرهم لأجزاء كبيرة من روحها الحضارية التي تعود لآلاف السنين هو حلقة ضمن حلقات عدة تستهدف فيها داعش ومن يقف خلفها المواقع الأثرية في الوطن العربي بأسره، وقد شاهدنا في الأسابيع والأشهر الماضية وقوع حالات مماثلة في العراق وغيرها من المناطق، حيث أمعن هذا التنظيم في إهانة التاريخ العربي، بل التاريخ الإنساني أيضاً عبر تدمير الآثار الشاهدة على حضارة عربية عريقة موغلة في القدم، وكأنه -تماماً- يريد تجريد العرب مما بقي لهم ليتفاخروا به.
وما يلفت النظر، هو الجانب الهوليوودي في سلوك داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية المنحدرة من الجذر نفسه، ذلك أن داعش تنقل وتصور جرائمها وفق آخر تقنيات الحداثة، لا الحداثة وحدها، وإنما ما بعد الحداثة أيضاً، أي إن الأفكار المحافظة المأخوذة من نصوص تراثية، يجري تحريفها وتأويلها بما ينسجم مع مزاج هذه الجماعات الإرهابية ومن يقف خلفها، بحيث تأتي محمولة على أحدث وسائل الاتصال، وخاصة الصورة، والصورة المتلفزة تحديداً، حيث تقدم الصورة في المجتمع الإعلامي عامة كمرجعية أولى وأخيرة لا يقاس على سواها، بل توهم المشاهد أنها هي الواقع.
والمذهل في تدفق الصور هو قدرتها الفائقة على تعطيل الحواس الأخرى، وتحفيز الغريزة والمتعة، لأن تلقيها لا يتطلب جهداً كبيراً أو تركيزاً على خلاف ثقافة الكلمة، إذ إن ثقافة الكلمة وتأثيرها يقومان على توالي الكلمات، بينما الصورة تعطى دفعة واحدة.
إن بعض الباحثين يقارن- وهو على حق- بين الحرب الإعلامية والنفسية التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية قبل وأثناء غزوها للعراق والتي استندت إلى مفردات من نوع الصدمة أو الرعب، وبين ما تقوم به داعش الإرهابية من مسرحة القتل والذبح، وإدخال عوامل الإثارة «الهوليوودية» على تصوير مشاهد الحرق والذبح وقطع الرؤوس بالسيوف والسكاكين الحادة.
الخلاصة: من الواضح أن ما تقوم به عصابة داعش من قتل وحرق وتدمير للآثار التاريخية لن يقتصر على سورية والعراق فقط، بل إن هذا السلوك الوحشي سيطول في القريب العاجل بعض الأنظمة العربية الصامتة عن هذا السلوك، وسيطول أكثر دول الخليج العربي التي تدعم وتمول داعش الإرهابية، وسيطول النظام الأردني الذي يراوغ ويدفن رأسه في الرمال، علماً بأن مراوغته مكشوفة للجميع، بمعنى آخر سيصل توحش داعش إلى كل بلد عربي، فهناك مثل شعبي يقول بما معناه «إذا حلقوا لأخيك بُل رأسك».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن