من دفتر الوطن

دعوة للفرح!

| عصام داري

حكايتنا مع الزمن طويلة ومعقدة وطويلة، فهو في تلويناته وتحولاته، في صفائه وغضبه، في وفائه وغدره يسرق أعمارنا يوماً بعد يوم، يسطو على الدقائق والثواني، ونحن نعلن فرحتنا بقدوم يوم جديد أو عام جديد من دون أن نتنبه إلى أننا خسرنا يوماً أو عاماً من حياتنا، وها نحن نبدأ يوماً جديداً وعاماً لنخسره بعد ساعات معدودات.
هكذا تمضي أيامنا وسنوات عمرنا في استهلاك روتيني سريع لا معنى له، إنها«سنوات الضياع» بعيداً عن المسلسل التركي الذي حمل هذا العنوان.
ولأن الأمر كذلك لا أفوت لحظة فرح إلا وأعيش فيها ومعها، لأنني أدرك أن الفرح لا يدوم، والحزن لا يدوم، لكن عمر الفرح أقل.
كل أحزان الدنيا غير قادرة على منعي من استقبال لحظة فرح بمهرجان احتفالي يليق بالملوك، وعند الحزن أتخيل أن الفرح آت غداً أو بعد غد، فأتقبل حزني بتسليم ورضا، وأترقب ما ستحمله الأيام.
هي دعوة لكل من يشعر أن حزنه يغطي على أحزان الآخرين، وأنه بحجم الكون، كي يصنع لحظة فرحه قبل أن يباغته الزمن ويكتشف أنه أضاع العمر في زواريب ضيقة وأزقة معتمة.
كتبت قبل عامين في هذا المكان من «الوطن» قائلاً: قد يروق لنا الهروب مما نحن فيه إلى حلم جميل ساحر ننسجه من بنات الخيال ونعيش فيه برهة قبل أن يوقظنا منه كابوس مرعب اسمه الواقع اليومي.
ومحظوظ من عاش الحلم الذي رسمه في مخيلته، حتى وإن كان مجرد حلم، فلو حدث ذلك لأزهرت الصحارى والفيافي وتفجرت الينابيع من الصخر الصوان، إنه الحلم الذي ننتظره طوال عمرنا، وربما يتحقق، ولو بعد حين، ألا يحق لمسافر عبر الزمن أن يحلم ولو حلمه الأخير؟
تلوح البشائر في الأفق، فتشرق وجوه بعد عبوس وضباب وغياب، وتسرح نظرة نحو البعيد المجهول بانتظار ولادة المعجزة، ومن بين حدائق الورد الشامي، وشجيرات الياسمين ونجيماته البيضاء الرائعة لوناً وعطراً، تتفجر ابتسامة طال انتظارها وآن وقت قطافها.
حصاد سنوات طويلة قد يبدو هزيلاً وفقيراً وقاحلاً لا يرضي الطموح، لكن موسم عطاء واحد قد يعوض عقود قحط وجفاف.
عادة ما تأخذنا الدنيا إلى حيث لا نريد، تسوقنا كالأغنام إلى مذابح عاطفية واجتماعية واقتصادية ونفسية، فيذهب قسم من العمر في متاهات وعذابات ونبتعد عن مسارنا الذي كنا رسمنا خطوطه العريضة، ونقف على شاطئ الخيبة نلعن حظنا العاثر ويا طالما ألقينا مسؤولية فشلنا على الحظ العاثر وغدر الزمان وظلم الإنسان للإنسان.
لكننا في كل ذلك لا نفكر ولو لحظة واحدة أننا نتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حدث ويحدث لنا، فغرورنا واعتدادنا بأنفسنا يجعلنا نستبعد بالمطلق احتمال أننا اقترفنا أخطاء كثيرة غيرت مسار حياتنا، وأننا أهدرنا الفرصة تلو الأخرى، وضيعنا لحظات فرح كانت في المتناول.
مهما عاندني القدر وغدر بي الزمان وتنكر لي بعض البشر وسبقني العمر فسأظل أكتب كل وريقات من كلمات مضيئة، وعبارات من شعر ونثر كي أقول مع إشراقة كل شمس: الحياة حلوة.. وتستحق أن تعاش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن