اليمن ما بعد صالح
| عبد المنعم علي عيسى
لم يكن الرجل شخصية عابرة في تاريخ اليمن وإنما كان «سمتا» مهما فيه، وهو يغوص عميقاً كما لم يفعل أي من الشخصيات اليمنية في تاريخ اليمن الحديث، فقد حكم علي عبد الله صالح اليمن منذ العام 1978 إلى أن تنحى في شباط من العام 2012، إلا أنه أثبت قدرة فائقة في فهم تعقيدات اليمن، فكيف الأمر إذا ما كان يغلب على كاريزماه المكر والدهاء، وهو ما تفاخر فيه مرارا بالقول إنه إذ يحكم فإنه يراقص الثعابين التي لن يكون بمقدورها أن تلدغه.
أدرك مبكراً خصوصية الثقل السعودي القادر على تقييد حركة اليمن فتقارب معه، لكن دون أن يعني ذلك تماهيه فيه، فقد ترك لنفسه حيزا من الحركة لا تدخله الرياض، وعندما جاء إليه علي سالم البيض رئيس اليمن الجنوبي عارضا عليه الوحدة، سارع إلى المفاوضات التي أدت إلى إعلان الوحدة في أيار 1990.
كان يدرك حساسية الأمر بالنسبة للرياض انطلاقا من أنه سيؤدي إلى قلب موازين القوى في شبه جزيرة العرب، ناهيك عن أنه سيخلق قوة كبيرة على حدودها نظامها جمهوري، الأمر الذي كان بالنسبة إليها مدعاة للتوجس الذي كانت تعبر عنه برفض انضمامها إلى مجلس التعاون الخليجي الذي أعلن عنه في العام 1981.
تميز صالح بقدرة فائقة على الصبر والرهان دائماً على إمكان تجيير الأحداث لمصلحته، وهو في كل مرة كان يظن فيها خصومه أن ركام المتغيرات كفيل بإخفائه، كان يخرج إليهم من جديد موحيا في الآن ذاته أنه الآن بات أقوى.
اعتمد عبر سياسة «الغربال» الذي يتيح النفاذ إلى دواخل نظامه، على سحق القيادات المعارضة وهو ما كان يرى فيه أمراً كفيلاً لكي يحيل نتائج أي حراك ضده إلى صفر على الشمال كما يقال.
بعيد محاولة اغتياله في حزيران 2011 التي أعقبت الاحتجاج على نظامه في كانون الثاني من العام نفسه، أيقن بأن لا مفر من الابتعاد، فتنحى عن السلطة في شباط من العام التالي استجابة للمبادرة الخليجية كما قال، على الرغم من أنه لم يكن يعيرها أدنى اهتمام.
حارب الحوثيين ست سنوات واتهمه هؤلاء بأنه المسؤول عن اغتيال قائدهم ومؤسس الحركة في العام 2004 حسين الحوثي، إلا أن ذلك لم يمنعه من التحالف معهم عشية نجاحهم في السيطرة على صنعاء أيلول من العام 2014، وعلى امتداد ثلاث سنوات هي عمر تحالفه معهم، جرى الكثير من التنافر، لكنه ظل تحت سقف فك زواج «المسيار» الذي تعلمه من السعوديين، وفي مطلع الشهر الجاري تبين أن الرياض ومعها أبو ظبي قد نجحتا في إحداث اختراق في دفاعاته فأعلن عن فك تحالفه مع الحوثيين السبت الماضي ومن ثم قام بالتحريض عليهم ليلقى حتفه بعد يومين.
أخطأ صالح الحسابات، وهذه المرة لم يدرك أن الخطأ الأول في هذه الظروف هو نفسه الخطأ الأخير، فكان الثمن باهظا، ولكن هل ما جرى الإثنين المنصرم إيجابي للأزمة اليمنية أم سلبي؟ في التحليل يمكن القول إن إيجابية الحدث تتوقف على مدى قدرة الحوثيين في اجتذاب قيادات حزب المؤتمر الذين سيكونون «أولياء الدم»، أما بالنسبة للرياض فهو يرسخ لدى حكامها عقدة ما انفكت تتأكد عند كل مفترق طرق وهي تشير إلى حتمية الهزيمة التي تنتظر كل من يتحالف معها.